كيف سمحتم له أن يموت!! بقلم : محمود الشربينى
------------------------------------------------------
قبل أن تقرأوا:ينعى بعض الكتاب والمثقفين الكويتيين مجلة "العربى" قبل أن توصد أبوابها فعلياً معلنةً إنتهاء "حقبتها" كومضه ثقافيه عربيه(كويتيه) إلى الأبد!
وقبل أيام أعلن -بغير نعى- غياب الجامعه "العربيه" وموتها (إكلينيكيا) !على إثر إعتذار " المملكه المغربيه" عن عدم إستضافة القمه العربيه المقرر عقدها على أرضها فى مارس المقبل!
ويوم الأربعاء الماضى 17 فبراير غيب الموت حقيقةً الكاتب "العربى" الأشهر..الشهير ب" الأستاذ".. وأقسى ناقد لنظم الحكم العربيه، ترجياً لنظام عربى موحد وقوى ومستقل الإراده والقرار..غاب الأستاذ هيكل!
****************
فى طفولتى كنت شغوفاً بمجلة "العربى" .. كانت مطبوعة فاخرة صفحاتها من الساتان اللامع وصورها بالألوان الطبيعيه، وسياراتها التى تعلن عنها لم تكن مألوفة لنا.. (البونتياك والكاديلادك والأولدز موبيل ونحو ذلك) كان هذا مما يهتم له صبى فى سنى آنذاك، فلما احتفظت بتلك الأعداد، حالماً يوماً ما بامتلاك البونتياك (بيضاء!) كان إعادة تصفح -العربى- فى الشباب بمثابة إعادة إكتشاف كنز الكنوز .. كانت مطبوعةً ثرية بالأفكار والقصص والرؤى والفلسفات .. كانت شعاع ضوء ، ساهم فى إنارة مشعله الدكتور أحمد زكى والكاتب أحمد بهاء الدين وغيرهما .. تماماً مثل عالم المعرفه الذى قاد إشعاعه الدكتور فؤاد زكريا لسنوات ، وصدر عنه كتب .. بل مراجع لأعمدة الثقافه والفكر فى حياة الأمه ( العربيه)!
الآن يتناهى إلى الأسماع ويبكى الأفئده هذه الأيام إعلان وفاة " "العربى" ونعيها إلى الأمه، تذرعاً بإجراءات تقشفيه (تفرضهاعلى الأمه كلها أخطاؤها الفادحه ،وإهدار مواردها الطبيعيه، وتدنى أسعار نفط الأوبك .. عناداً أو تآمراً) !
كانت " العربى" يوماً مناره ، فأعتمتها سياسات تحريريه مظلمة فكرياً وأفكار غير عصريه لم تستطع المحافظه على جوهر العربى ورسالته.. وهذا شأن كل مطبوعه ثقافيه لاتجد "المخلص" و"الموهوب" الذى يحفظها ويحافظ على إستمراريتها ، حدث هذا فى أزمنة كثيرة.. فتوقف عطاء مجلة "الدوحه".. وتوقف عطاء مجلة "القاهره" ( مجلة الشعر) وتوقف عطاء مجلة "إبداع" .. وإن كانت تبذل محاولات بين حين وآخر لاستعادة إشعاعهما الثقافى ...
"الجامعه العربيه" كمؤسسه هى بيت العرب كما يقولون ، وبيت العرب يعلو شاهقاً بالأفكار والحوار وتلاقح الثقافات قبل دق طبول الحرب واندلاع الحروب والصواريخ الكلاميه .. فكيف وتحت أى سبب أوذريعه يمكن لدوله عربيه أن تتخلى عن إقامة قمه عربيه مقرر عقدها على أرضها سلفاً ،قبل أن تتحاور مع أمتها؟ وخاصة أنه لاتعوزها الامكانات الماديه واللوجستيه، ولاتتهددها مخاطر أمنيه الخ، وقد سبق للمغرب ان نظم 7 قمم عربيه! ومع أننا لم ننجح بنسبه مطلقه فى تحقيق مقررات القمم العربيه ووضعها موضع التنفيذ، إلا أنها تبقى جداراً معنوياً يحافظ على كيان الأمه عربياً أمام الأمم! أما الإستسلام أوالإستسهال أو حتى التسرع بالإعتذار، و قبل أقل من شهر واحد فقط من موعد حدد قبل عام ، ففى هذا الكثير من الرسائل الخاطئه للشعوب العربيه، تفت فى عضدها، وتبث فيها روح اليأس وتغيب الشعور بأى تضامن!ومع كل التقدير لجسارة الموقف الموريتاني، إلا أن الموقف المغربى يستحق وقفه،فحتى إذا لم يكن الأشقاء راغبون- كماقالوا- فى الإيحاء بوجود موقف عربى موحد لا وجود له، قد ينجم عن انعقاد القمه، فإن حاجتنا لابراز وفرز المواقف فى وقت عصيب كهذا ، أفضل من الإعتذار.. فالمخاطر المحدقه بالعرب لا تستوجب الفرار منها وانما المواجهه!
مع غياب- متوقع - ل " العربى" المجله ، وغياب روح " "بيت العرب" الجسوره،التى تواجه وتناقش المخاطر والتهديدات بوضوح وبلا مجاملات .. وبغياب الكاتب العربى الشهير، بكل قدرته على النفاذ إلى كنه الإنسان العربى وجوهر نظامه السياسي، وتوصيف تحدياته ورسم خريطة تهديداته بلا مراوغه أو مجامله ، أشعر وكأننا أمام عالم عربى ذاهب إلى المجهول، يكاد ينعى نفسه!
أعجبنى - ولايزال - تعبير لرجل الصين العظيم " شواين لاى" عندما سأل "الأستاذ هيكل" متعجباً منا بعد أن مات عبد الناصر: " كيف سمحتم له أن يموت" .. ولأن التعبير لايزال يعجبنى ، فإننى لااملك إلا إستخدامه ولكن بطريقة أخرى: كيف سمحتم ل" العربى" مجلةً وبيتاً وقراراً( وكاتباًأيضا!) بالموت ؟ كيف سمحتم للعربى بالموت ؟ من سمح للأمه بتحقيق نبوءة - وسياسة- كيسنجر بأننا سنشرب نفطنا كما يحدث الآن؟ من سمح للأمه بأن ترتكب كل هذه الجرائم فى حق شعوبها، بالابتعاد عن تطورات العصر وضروراته ، فى الحريات واحترام حقوق الانسان وأحترام الكرامه الانسانيه فتموت إكلينيكياً كما نرى؟
من سمح لامتنا بأن تحول بيت العرب إلى مجرد بيت خال من الروح وخال من الدفء الانسانى والشعور بالانتماء لأمه قال عنها القرآن انها خير أمة أخرجت للناس؟
كيف سمحتم لهم بالموت ؟ ليس المقصود هنا أن نعاند القدر ونتحداه. ونمنع وقوعه ، ولكن كيف سمحنا لانفسنا بألا نبحث فى الأ سباب والمسببات التى تفضى إلى الموت وتعالج الأعراض والأمراض والعلل؟
بعدما قرأتم : كيف سمحتم لكل ماهو "عربى" ومايمت للعروبه بأية صله أن يموت؟
الرئيس الراحل أنور السادات ( والأستاذ هيكل) فى قبره حتماً يعرفان الإجابه !