عزوف الناخبين واستخفاف المحللين!
مجدي طلبة
في كل الدول والمجتمعات الديمقراطية لا تملك الحكومات والأحزاب الحاكمة إلا ان تحترم عقول شعوبها وتصون كرامتهم وتحافظ على وعيهم العام، وتلتزم بأقصى درجات المصارحة والمكاشفة والشفافية إذا ما وقعت أزمة أو حدثت كارثة في البلاد دون اللجوء إلى ممارسة أي نوع من الاستخفاف والتضليل بقصد التغطية على الأزمة أو التقليل من خطورة تداعياتها.
في مصر عزف الناخبون في الداخل والخارج عن الإدلاء بأصواتهم في الجولتين الأولى والإعادة من الانتخابات البرلمانية فجاءت التحليلات السياسية والإعلامية صادمة وبعيدة كل البعد عن الواقع السياسي في البلاد ليعكس إصرارا غير مفهوم وغير مبرر من جانب النخب السياسية ووسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية على الاستهانة بالأمر والاستخفاف بعقول المواطنين.
وبعيدا عن التحليلات والتفسيرات السياسية التي ملأت برامج التوك شو على القنوات الفضائية المصرية ليل نهار خلال الأيام القليلة الماضية والتي فشلت – سواء عن قصد أو غير قصد - في التوصل لأسباب حقيقية ومقنعة لعزوف المصريين عن الادلاء بأصواتهم في الجولة الأولى، ساق أحد الأساتذة الذي ذاع صيته اسما كبيرا في مجال الطب النفسي تفسيرا عبثيا يشوه صورة الشباب المصري بشكل عام ويضرب عرض الحائط بكل قواعد العقل والمنطق.
رأى بروفيسور الطب النفسي في تصريحات تليفزيونية وصحافية أن هناك عدة أسباب لعزوف الناخبين - خصوصا الشباب - وعدم اكتراثهم بالعملية الانتخابية، على رأسها تأجيل الزواج نظرا للظروف المادية، في عدد كبير من دول العالم ومنها مصر، حيث تسبب هذا الأمر في إيجاد حالة من الكبت الجنسي لدى بعض الشباب، مما أدى إلى انصراف الشباب إلى النت لفترات طويلة ليلا والنوم نهارا، ما يعمل على ابتعاد عدد منهم عن الانتخابات.
لا جدال في أن هناك صدمة شديدة من تدني نسبة الإقبال غير المسبوقة خلال الانتخابات التشريعية، لكن الصدمة تكون أشد حينما يخرج علينا عالم كبير ويهبط بالتحليل النفسي إلى هذا المستوى من الاستخفاف والتغييب ويعزي عزوف الشباب عن العملية الانتخابية إلى وجود "كبت جنسي" لدى الشباب المصري.
اذا كانت هناك جدية حقيقية في التعاطي مع هذا الأمر لتجنب تكراره في أي استحقاقات انتخابية مستقبلية فلا من مناص من اجراء تحليلات ودراسات موضوعية وموثوق بها للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذه الحالة المصرية، مع الوضع في الاعتبار وجود شعور بالإحباط بين كثيرين من فئات الشعب بسبب ضعف الأداء الحكومي في مواجهة الوضع الاقتصادي الحالي – خصوصا تراجع الجنيه أمام الدولار وتآكل احتياطي النقد الأجنبي وارتفاع الدين الداخلي– وعودة وجوه قديمة محسوبة على الحزب الوطني المنحل إلى الساحة السياسية.