كل " أيامي وأوجاعي كانت معك" ياخال!- بقلم: محمود الشربيني
قبل أن نقرأ:
--------------
<<عارف يا خال خبرك حنى عودي
ودخل لي زيّ الرمح في حدودي
ك&<619;دِّبتْ لكن صدقوا التانيين
صلّيت وقلت تعيش يا أبنودي
خبرك دخل م للقلب للدهاليز
... جايز، ولكن إمتى هذا أُجيز
راح اللي قال للظلم وكلابه
«آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز»>>
-الأبيات موقعه من الشاعر سعيد شحاته، من قصيدته الرائعه "صليت وقلت تعيش ياأبنودي"، المنشوره في الأهرام بتاريخ 24 أبريل 2015
****************
مفردات وأبيات وقصيدة "سعيد شحاته" التي اخترت منها هذه المقدمه، عفيه.. خصبه.. سمره ..مثل " أرض الأبنودي وعياله"..وله كل الحق الشاعر الموجوع بفراق الخال- مثلي وأنا مثله.. ومثل ملايين العرب- "مصباح المهدي" أن يعيد نشرها علي صفحته،و أن يصدرها لقرائه بقوله: شاعر عبقري يرثي الأبنودي!
أرض الابنودي وعياله.. هما محور حياته .. كانا عنوان- وقضية- أول دواوينه.. وكانا مجمل حياته واهتمامه.. حتي كفت رئتاه عن الصهيل!
" معرفتش أعيط عالأبنودي في التو واللحظه".. تأخر إلي الآن بكائي ونحيبي ورثائي.. مع أن الرجل " حي" و"مبيموتش" .. فعلا.. واللي زيه "مبيموتوش" .. أبدا .. وقصة خلودهم بتتحكي وتتحاكي في كل عصر.. وكفر .. وكل نجع وعزبه.. لكن " مقدرش بالفعل" معيطش".. مقدرش مابكيش ياخال.. وانا إتعلمت منك إزاي "أعيش" في حب "الأرض والعيال".. بحبك ياخال..والديوان الأول الذي أهديته لي- وأنت لاتزال بشقة الزمالك،وزينته باهدائك الجميل-لايزال في قلبي ،قبل أن تفرح - وبه تزدان- مكتبتي وإن طال- أو كثر- التنقل والسفر..والإغتراب والحزن ودمع المطر والوتر!
عاملين إيه عيالك ( آيه ونور) ؟سؤال مباغت يسأله( لك..؟!) الشاعر الجسور المقاتل - مثلك بحثا عن ضمير جديد وفجر وليد،للحياري والمظلومين والفقراء والمطحونين- مصباح المهدي، وأنا أقول لك ولمصباح: " بقوة الخال.. وبشحنة حب الأرض والتفاني من أجل العيال" ستعيش "آيه" وستعيش" نور"..نوارتان ومنارتان.. وستكونان أقوي وأجدر بحمل مشاعل النور، التي حلمت ياخال  بأن تضيء وتتوهج وتبدد الظلم والعتمه في الوطن..لن تكونا فتاتين "قليلتي الحيله"..وستستلهمان من تركة "الأبنودي".. أثري شعراء الوطن..بمايملكه من حب لطين و تراب وأنهار وترع وغيطان وقمح هذا البلد..قوة إخضراره، وعذوبة ينابيعه.. وألق شطآنه .. وزرقة مياهه وفيروز عناقه .. وشموخ جباله ، الممتده من أسوان والنوبه الي عتاقه وجبل الحلال .. وكل وديان وقري النضال في مصر.. من أبنود الصابره المثابره الخالده،إلي صدفا،الي بحر البقر..إلي الزعفرانه ورأس غارب..إلي العرايشيه في السويس الجسوره وبيوتها التي ستبقي تغني،إلي العريش(المرتهنه لسنابك وخيول المغول والتتار الجدد) إلي بور فؤادالجميله.   
ستبشران "آيه ونور"بالنور.. بأرض وعيال الأبنودي في كل عصر.. وتذهبان بشعره "الحي" الي كل كفر وقفرْ .. وسينبتان من "أبياته"..و سنابله الخضراء..شعرا ونثراً ومقالاً وحواراً. وستخرج من ترع مصر ألف ألف مصريه جديده تغسل شعرها في المغربيه.. وتنتظر طلوع نهار جديد،  قادم م الغيطان وم المزارع .. م المدارس.. م المصانع " يعدي في الدروب " فيكتب نهاراً جديداً ، مسقياً بماء النيل الذي غنيت له أغنيات تكتب له- وهو الخالد - عمرا مديداًجديداً! ويعيش "الأبنودي" بآيه ونور .. ألف ألف عام جديد.. خلوداًووجوداً!
" كل أيامي كانت معك" ياخال..كل أوجاعي كانت علي ضفافك.. كل أحزاني قرأتها في دواوينك.. كل أحلامي وخيالاتي وارتحالاتي.. كانت  علي أنغام موسيقاك .  صوتك "موسيقي" من جوف الأرض .. أصيله.. عميقه.. عودها رنان ..ورناتها زنابق إحساس،لايذوي ولا يذبل.. صهيلها شموخ..ونغماتها تعبر عنا..فرحاً حين ننتصر .. وحزنا حين ننكفيء .. واصراراً حين ننهزم أو ننكسر .. فيخرج منها النهار..نوراً وناراً.. يهدي المتعبين والمقهورين والمظلومين..ويضيء عتمة الدروب الحزينه..ويبشر فيها- كما المسيح- بالفجر الجديد.
أعلم - ياخال- أنك ستسألنا كل يوم .. بل كل لحظه:"عاملين إيه عيالي ياولاد"؟وقد "كانتا" كل "حدائق حاضرك"..و" بساتين وجودك" .. كل مشاغلك ومشاعلك وهمومك..نورك ونارك..بصيرتك وكل حياتك.أعْلَّمُ أنك لم تكن تكتنز مالا..وأنما دوما كنت  تكتنز بداخلك ذلك الرجل الهائل.. وفوق أنك كنت تكتبنا وتنثرنا وتغنينا موالاً ،وتشعل فينا وجيد القصيد،كنت رجلا من طراز "أنبل الرجال"..أنظر إلي كلماتك.. تبوح بأسرارك..انت الفلاح العرقان الشقيان..تعرف كيف تغني علي " النورج".. وكيف تركب المحرات علي رأس البقره.. وتعرف كيف يعرف الفلاح انها " خصبه .. "عشار".. وتعرف ماذا يقول "الخولي" لأنفار جمع " الدوده" وكيف ومتي تبدأ الدوره الشتويه، وأنت العامل في السد العالي ، صديق " حراجي" تعرف لغته وكيف يكلم " يامنه" وتعرف لغة " أحمد سماعين" وأيضا تعرف كيف تخاطب الإرهاب وتبيده، وكيف تتذكر عبد الناصر وتهتف" يعيش جمال عبد الناصر، وتعرف" تشي" ..أرنستو جيفاراو وتكتبه كأنه من دمنا ولحمنا، تكتب فيه قصيدتك( وكانت ضائعه!) وتعرف أيضا كيف كان  يحشو بندقيته بالبارود،مثلما تستطيع التعبير عن قضيته ،وتعرف كيف هي طريقة قصف الكلاشينكوف والفرق بينها وبين دانة المدفع ، مع انك لم تقاتل سوي بالكلمات وأغصان الشعر العفي الأخضر المورق.. تعرف كيف ومن اين للجزار أن يذبح ماشيته، وتعرف كيف يعمل الطبيب،ويعيد الحياه لرئتيك المهترئتين، فتحييانك عشر سنوات وكنت تظنهما لاتفعلان يوما واحداً. تكتب "مصراً" وتكتبك .. وتعرف كيف للقصيد العامي أن يصبح ذاكرة وطن، وأن يشعل ثورة في" دولة العواجيز"، وأن يصل ال" مرسال" الي "الرئيس" ووجدان المثقفين ،الذين لايعترفون بأن للشعر العامي قيمة حقيقيه، إلا في دولة الأبنودي الشعريه الحره المستقله. وإن كابدت يوما وجاملت ..أو هادنت ، فلامحاله أنت عائد الي أصلك ، تعيدك ضحتك، تعيد سمرة قلبك المعجونه بطمي النيل، تعيدك بصيرة الحكماء، وتعيدك نسائم وأحلام العرقانيين الشقانيين الباحثين عن مكان تحت العواصف والزمهرير.  وحدك تمتلك من كنز "المصريه"  الكثير.. ليس بطولك الفارع.. ولابملامحك السمراء القاسيه.. المنحوته من صخر .. لايلين فيه سوي قلب الشاعر.. ووجدان الإنسان المفعم بالأحلام النبيله، والمسكون بالعصافيروالاماني الجميله..ولكن لأن الرجل فيك  بصيرة .. في زمن عزَّت فيه بصائر الرجال. شامخ انت ياخال ومتدفق كنيل.
بعد أن قرأنا: أعدت قراءة سطوري لزوجتي .. فبكيت .. وساعتئذ أدركت - ياخال-لماذا تأخر رثائي أو " عياطي" كل هذا الوقت .. ففيك لاأبكي فقط "دولة الأشعار" وإنما أبكي رجلا من أغلي الرجال، وأبكي كل أحرار الوطن الأبطال.