طيب!!!
من بغداد إلى بنغازي
«لو كان الفقر رجلاً.. لقتلته» الفقر هو ما دفع مئات الآلاف من المصريين للنزوح نحو العراق في السبعينيات والثمانينيات بحثاً عن رزق أوسع، والفقر هو نفسه من دفعهم إلى البقاء فيه بعد اندلاع الحرب، وتحمُّل الخطر من كل حدب وصوب، وهم يشاهدون زملاءهم واشقاءهم يعودون في صناديق اصطُلح على تسميتها بـ«النعوش الطائرة» التي تصاعدت وتيرتها بعد عام 1990، وموقف مصر الرسمي والشعبي الرافض للغزو العراقي للكويت لتتجاوز 8 آلاف ضحية، كان يكتب لأغلبها تقارير طبية بأن سبب الوفاة هو«السكتة القلبية»، بينما الجثث مخضبة بالدماء و«منخولة» بالرصاص!!.. ولم تفعل دولة مبارك شيئاً لهم.
..والفقر هو نفسه الذي يدفع بعشرات الآلاف من المصريين الآن للتواجد في الشقيقة ليبيا رغم ما يعلمونه يقيناً من وجود حالة انفلات أمني صارخة – نتمنى أن تزول –ومن عدم وجود بعثة دبلوماسية متكاملة بعد عودة أغلب أعضائها من طرابلس عقب واقعة اختطاف 5 منهم، ثم الإفراج عنهم.
نعلم أن معمر القذافي لم يكن الحاكم الأمثل لليبيا، وأن المقاتلين السابقين والميليشيات الإسلامية التي استولت على مخازن السلاح الضخمة التي تركها نظام القذافي يرفضون إلقاء السلاح، وأن ولاء أغلبهم لشيوخهم وزعماء قبائلهم وجماعاتهم أكبر من ولائهم للحكومة الليبية التي تعاني الكثير، ولكن وسط كل ذلك.. كيف سمحت مصر بدخول هذا العدد الهائل من المصريين في ظل هذه الظروف حتى ولو كان بحثاً عن لقمة عيش مغمسة بالدم والخطر والخوف والرعب… والإهانة؟
اليوم تحتجز الميليشيات المسلحة في بنغازي حوالي 40 شاحنة مصرية كانت تنقل بضائع لليبيا أو عائدة منها، أي حوالي 180 مصرياً إذا افترضنا أن كل شاحنة بها سائق و«تبَّاع»فقط، وتطالب هذه الميليشيات بالإفراج عن أقرباء لهم دينوا بتهمة تهريب السلاح عبر الحدود مع مصر.
أخلاقيا.. يجب ان تقف مصر الى جوار الشعب الليبي الشقيق في محنته، لذا لا أطالب بغلق الحدود او انزال عقوبات او مزيد من الضغط، لأننا نعلم جيدا ما تمر به ليبيا الشقيقة.
سياسيا.. يجب على «الدولة المصرية»حماية ابنائها والاتفاق مع الجانب الليبي على توفير الحماية للشاحنات التي تنقل البضائع المصرية الى ليبيا، بواسطة السير في مجموعات تحت حماية الجيش الليبي، او قيادات الميليشيات والمجموعات المسلحة المعروفة التي تسيطر على قطاعات بعينها في ليبيا.
.. وحتى تستقر الأوضاع، سواء في مصر او في ليبيا الشقيقة ادعو الحكومة المصرية لفرض قواعد واضحة لسفر المصريين الى هناك، حتى لا نفاجأ بتكرار ظاهرة «النعوش الطائرة».. لكنها من الغرب هذه المرة.
لعن الله الفقر الذي يضطر الناس لإلقاء أنفسهم الى التهلكة.. ولو كان رجلا لقتلته ألف مرة.
وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
حسام فتحي
twitter@hossamfathy66