..ولكي يكتمل مشهد الفوضى واللامنطق الذي تعيشه «المحروسة»، ترك المصريون كل الكوارث المحيطة بهم والتي تهدد مستقبل أبنائهم ومصير بلدهم وتفرغوا للانقسام حول «برنامج»باسم يوسف!
العبث على ضفاف نيلنا النجاشي الحليوة الأسمر أصبح عبثا بلا حدود، عبثا غير مسبوق، لا يليق - حقيقة لا مزحا - بحضارة سبعة آلاف سنة، ولا حتى سبعة آلاف يوم!
في مصر وصلنا الى مرحلة «العبث الشامل» الذي يحتوي كل شيء، ويلف كل شأن، فتركنا الدستور ولجنته الخمسينية، و«غضضنا» النظر عن الاقتصاد المريض الذي ينتظر «ايقاف» أجهزة الإعاشة ممثلة في الدعم الخليجي لتعلن وفاته اكلينيكيا، وتركنا الارهاب يرعى كيفما شاء، وتناسينا ان العمل «عبادة»، وبدونه لا حياة ولا نهضة ولا احترام ولا مكان بين الشعوب، ولا مكانة بين الامم، و«تفرغنا» لمحاكمة برنامج «هزلي.. ساخر»، والمطالبة بإعدام مقدمه الإعلامي باسم يوسف، او طرحه أرضاً، لأن البعض لم يرق له تعرضه لقدس الأقداس ومقدسيه بالنقد، تلميحا للأول.. وتصريحا للثاني!
شاهدت الحلقة الاولى من الموسم الثالث للبرنامج، محل الخلاف والاختلاف والانقسام والجدل، ولم اجد فيها اي شيء «غير متوقع»، بل أجدها أقل حدة بكثير جدا من حلقات تعرضت للرئيس السابق محمد مرسي، ودافعنا عنها بدعوى حماية الديموقراطية وحرية الاعلام، والدفاع عن آراء الاعلاميين، بالرغم مما احتوته هذه الحلقات من تجاوزات وتلميحات خارجة عن كل الاعراف والتقاليد المصرية، وقلنا اننا نعيش «حالة ثورية» لا يجوز فيها قصف قلم، ولا اغلاق قناة، ولا ايقاف «برنامج»، وكم ضحكنا على السخرية اللاذعة الى حد الوقاحة احيانا من رئيس مصر - وان اختلفنا معه وانتقدناه وطالبنا برحيله - لكنه كان وقتها رئيس مصر، ولم تقتل جماعته باسم يوسف او ألقوه في البئر!!
فهل يجوز بعد «زوال» حكم «الجماعة»، ومجيء رئيس المحكمة الدستورية العليا، القاضي والمستشار رئيسا لمصر، ان نرفض النقد، ولا نتحمل الهزل، ونشجب السخرية،.. ونوقف البرنامج؟!
هل تحملت الجماعة الفاشية «البرنامج»عاما كاملا.. ولم تحتمله «الثورة» حلقة واحدة؟!
.. شخصيا لا اعرف باسم يوسف، ولكن اتابعه منذ محاولاته البدائية الاولى مع «25 يناير»، ولاشك انه ذكي وموهوب، ولاشك ايضا ان لديه تجاوزات وايحاءات خارجة تستحق الاختلاف عليها، لكن الامر لا يصل الى ان يصبح «البرنامج» قضية امن قومي، لمجرد تلميحه لاسم وزير الدفاع الفريق اول عبدالفتاح السيسي دون اساءة، بل في رأيي بكثير من الحذر الذي لا يتفق مع طبيعة«البرنامج»، وايضا «تصريحه» بمهاجمة «السيساويين»، خوفا من تسببهم في صناعة«فرعون» جديد، ونحن المصريين «خبراء» في صناعة «الفراعنة» ولنا في ذلك تاريخ طويل وباع اطول!!
وحقيقة لا اعتقد ابدا ان الفريق السيسي قد اهتم بالتوجيه تلميحا او تصريحا بعدم اعجابه بما جاء حوله شخصيا في الحلقة موضع الخلاف، ولكن دائما هناك «رجال» حول الزعيم يدعون «استشعارهم» لما يريد، ويعتقدون ان احلامه التي لم يطلعهم عليها ابدا.. اوامر!! أنقذنا الله وانقذ السيسي وانقذ مصر من امثالهم.
والحل ان «نركز» جميعا في العمل قبل ان تضيع «مصر» العظيمة بعبث غير مسبوق، ونترك «باسم» وبرنامجه، ومن لا يعجبه المحتوى يطرق باب القضاء، ولنسرع بوضع «ميثاق الشرف الاعلامي»، بضوابط مهنية يعرفها «اهل المهنة»، وليطبق على الجميع، قبل ان تتحول الساحة الاعلامية الى سيرك بلا «برنامج»، يقدم «بهلواناته» فقراتهم جميعها في وقت واحد!!
… وتخيلوا معي لو حمل باسم برنامجه ووصل الى بيروت مثلا.. ولن اقول الى الدوحة؟!
اما باسم يوسف فأخشى ان يناله ما نال د.فرج فودة، الذي اغتاله نقاش لم يقرأ له كتابا، وساعتها سيقول «الاخونجية» ان«السيساوية» قتلوه جزاء لتلميحاته، ويؤكد «السيساوية» ان «الاخونجية»، انتقموا لما فعله «بمرسيهم» وألصقوا الجريمة بهم!
لك الله يا بلدي.. فلم يعد ابناؤك يتحملون.. حتى النكتة!
وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
حسام فتحي
twitter@hossamfathy66