الهَري.. والهَري المعاكس - بقلم: حسام فتحي
كعادتنا بعد 25 يناير تحولنا جميعا فجأة إلى أساتذة طبوغرافيا،.. ودكاترة تاريخ حديث ومعاصر،.. وبروفيسورات ترسيم حدود.. وخبراء حروب حديثة جداً!!
انقسمنا.. كعادتنا إلى فريق وطني يسكب الدموع والدماء حزنا وكمدا على «بيع» مصر جزيرتي «تيران وصنافير» إلى السعودية، وهما جزيرتان مصريتان ـ حسب قناعتهم ـ بكل معايير التاريخ والجغرافيا والخرائط ما قبل «العثملية» وتحاليل D.N.A!!
وفريق آخر لا يقل وطنية، ويحمل خبرات ومؤهلات في الـ «جيوبوليتكس» لا تقل عن خبرات الفريق الأول، وأعضاؤه يؤكدون أنهم كانوا «شهود عيان» سمعوا بآذانهم ـ اللي هياكلها الدود ـ الملك عبدالعزيز وهو «يستودع» الجزيرتين ذمة الملك فاروق ـ رحمهما الله ـ عام 1950، وبالتالي فالجزيرتان سعوديتان، وحسنا فعل السيسي برد الأمانات إلى أهلها!!
.. وبين الفريقين اللذين يتبادلان اتهامات العمالة والجهل والخيانة وبيع الضمير، وقفت الغالبية تتلقى المعلومات المتضاربة، وتطالع الوثائق المنشورة، وتقرأ الخرائط ـ السليمة والمضروبة ـ التي ملأت صفحات التواصل الاجتماعي، وكأن مصر كلها تسهر في ليلة امتحان الجغرافيا للثانوية العامة!! وتتسع حدقات عيونها دهشة وهي ترى «الإخوانجية» يبثون خطاب عدوهم الألد جمال عبدالناصر عن مضايق العقبة!!.. والناصريون يؤكدون أن السادات رفض الحديث عن الجزر مع السعودية، والسلفيون يترحمون على «مبارك» الذي رفض «الضغوط» لإعادتها.. وجماعة «آسفين يا ريس» يفاخرون بوطنية رمزهم.. حتى قطع وزير الخارجية سامح شكري قول كل خطيب وقال للإعلامي «الرئاسي» عمرو أديب: «إن حسني مبارك أصدر عام 1990 قرارا جمهوريا لتحديد الحدود البحرية لا يتضمن تيران وصنافير»!!
.. وبين كل هذا «الهَري والهَري المعاكس»،.. هناك رسالة ـ «تتحشرج» في بلعومي لامؤاخذة ـ أوجهها إلى كل رجال «الرئيس»، وجميع حكماء النظام، وأي ناصح رشيد:.. ألم يكن من الأجدى والأعقل تجنب كل ذلك وإنهاء مسألة ترسيم الحدود البحرية بمعزل عن الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين،.. قبلها ـ أو بعدها ـ بأسابيع مثلا؟.. مع «إعداد» ملف إعلامي ـ سياسي ـ تاريخي ـ جغرافي، يقتنع به «أغلب»، أبناء شعبنا الصابر المحتسب؟!
ألم يكن «الأحصف» أن يعقد مؤتمر إعلامي لوزير الخارجية أو رئيس الوزراء، ويتم توزيع الملف على الإعلاميين، بدلاً من إعطاء الخصوم ـ وحتى المؤيدين ـ أسباباً عدة.. وسهاما مسنونة.. ثم «تتمترسون» خلف شاشات الفضائيات لتدافعوا عن «أزمة» أنتم خلقتموها؟
أليس من حق هذا الشعب الذي تحكمونه، وهؤلاء النواب الذين اختارهم أن يتم إعلامهم بأمر شديد الحساسية، كإرجاع الجزيرتين «الأمانة» إلى أصحابها؟
..بصراحة.. تستحقون غضبة الشعب.. مؤيديكم قبل معارضيكم.. أقول ذلك وأنا أوقن أن عقيدة الجيش المصري وشرف العسكرية يجعلان التنازل عن شبر واحد أو حبة رمل من أرض مصر.. أمرا دونه الأرواح والدماء.. ولكن ما هكذا تورد الإبل..
وحفظ الله مصر والسعودية وأهلهما من كل سوء.