يوما بعد يوم، تحقق مواقع التواصل الاجتماعى وعلى رأسها الفيس بوك وتويتر، انتصارا جديدا، وتحتل أرضا جديدة، فى ظل تقهقر الدولة بكل مؤسساتها، وترهلها وضعفها.
 
الدولة، ترتعد فرائصها، بمجرد أن يعلو صوت الفيس بوك وتويتر، احتجاجا أو اعتراضا على قرار للرئاسة أو الحكومة، أو تصريح لوزير هنا، أو محافظ ومسؤول هناك، وتجرى لاهثة، منبطحة، ومنسحقة، ومقدمة كل فرائض الولاء والطاعة، لترضى عنها لجان إلكترونية إخوانية، وداعشية، وسلفية، وجهادية، وتركية، وقطرية، وحمساوية، وإسرائيلية، بجانب اللجان التابعة للحركات الفوضوية.
 
أيضا، وللأسف، تنساق المنابر الإعلامية، وتحديدا الإعلام المرئى الفضائى، كالقطيع وراء الفيس بوك وتويتر، وتفتح ذراعيها لمناقشة صرخاته، ولعناته، واعتراضاته، طمعا فى هشتاج باسم المذيع أو البرنامج دون إدراك من هؤلاء أن مواقع التواصل الاجتماعى خطر حقيقى عليهم بالدرجة الأولى، وخصم قوى، يخصم من رصيدهم المهنى، الكثير.
 
الدولة متخبطة، ومرتبكة، ومرتجفة من الفيس بوك وتويتر، ولا تتخذ قرارا، أو تضع خطة واضحة فى أى مجال من المجالات، خوفا من ردة فعل السوشيال ميديا، بجانب الإعلام الذى ترك دوره فى قيادة وتشكيل الوعى، والمنتج للأخبار، ارتضى أن يسير كالقطيع وراء السوشيال ميديا، فتراجع بشكل صارخ دوره، ومتابعته، وأعطى المصريون فى المحافظات المختلفة ظهورهم له، فتدهورت بشكل خطير شعبيتهم وأعداد متابعيهم.
 
وإذا ألقيت بنظرك إلى خارج الحدود لتتعرف على طريقة التعامل مع السوشيال ميديا، فى الدول المختلفة، وتحديدا الدول المعادية لمصر، مثل إسرائيل وتركيا وقطر وأمريكا، فستجد الحسم والقوة، ففى إسرائيل كتابة أى شىء يتعلق بالجيش الإسرائيلى على سبيل المثال على الصفحات الخاصة على الفيس بوك أو تويتر لابد من الحصول على تصريح وإذن مسبق، وهو ما أعلنته وزارة الأمن الداخلى الإسرائيلى صراحة، بل وأكدت أن أجهزة الأمن تتابع كل شبكات التواصل الاجتماعى بل وتجمع معلومات شخصية عن النشطاء عن طريق صفحاتهم الخاصة بكل منهم على الفيس بوك، وتزرع رجال شرطة سريين داخل خيام الاعتصامات حال إقامتها.
 
هذه طريقة إسرائيل الدولة الديمقراطية المهمة فى المنطقة، وكيف تحافظ على أمنها واستقرارها، بقوة القانون دون رعب وخوف، وإذا قارنا بينها وبين ما يحدث فى مصر، فستجد البوستات المسيئة للجيش، والشرطة، منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، بل مناقشة أدق الأسرار على الهواء.
 
أما فى تركيا، فحدث ولا حرج، فيكفى أن أردوغان ورفاقه اتخذوا قرارا، مؤخرا بحظر مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر»، بعد نشر صور ومقاطع فيديو تظهر لحظة انفجار أنقرة خلال الأيام القليلة الماضية، والذى أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وخرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بتصريح يلخص المسألة برمتها، نصه: «الحرب على الإرهاب أهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة». ونسأل منذ 30 يونيو 2013، وحتى الآن كم حادثا إرهابيا مروعا وكارثيا وقع فى مصر؟
 
وكم من صفحات اللجان التابعة للجماعات والتنظيمات الإرهابية والحركات الفوضوية التى تحرض علنيا على القتل وتنفيذ العمليات الإرهابية، والدولة بمؤسساتها المعنية تقف متفرجة مثلها مثل المواطن الغلبان، الذى يسدد فواتير ضعف ووهن دولته ومؤسساته. أما ما يحدث فى قطر، فلا يستطيع مواطن أن ينبس بشطر من كلمة «اعتراض» أو «نقد»، فمصيره إسقاط الجنسية وطرده من البلاد.
 
نحن فى مصر، نعيش بين اتحادين، الأول اتحاد ملاك ثورة 25 يناير بخطابه الفوضوى والشتام، والثانى اتحاد ملاك ثورة 30 يونيو، بخطابه الشتام والصارخ والخشن، والمتجاوز، والمفتش فى أسرار العباد الشخصية، وفى ظل وجود الاتحادين، غرق المجتمع بأثره فى تفاصيل قضايا تافهة، وحقيرة .
 
كما تقف الدولة، بقوانينها «المايعة»، موقف المتفرج فى مدرجات الدرجة الثالثة «شمال» بملاعب كرة القدم، وأن كل ما فعلته أنها هَبْت تطارد الوطنيين المدافعين عن أمن وأمان واستقرار البلاد، وتنصلت منهم باعتبارهم مرضا معديا، واحتضنت بكل قوة، كل المنقلبين، الذين يحملون لها كرابيج الجلد والنقد والتسخيف والتسفيه من أدائها وقراراتها، والذين دشنوا لهتاف العار يسقط يسقط حكم العسكر، دون أن يعلموا، أن من يربى الوحش ليتضخم، سيلتهمه هو أولا. ولنضع النقاط فوق الحروف ونعلنها صراحة أن الدولة المرتعدة والخائفة من الفيس بوك وتويتر، والتى تتنصل من الشرفاء، أيضا الشرفاء والمحترمون سيتنصلون من نظامها وحكومتها، ويعلنونها واضحة وضوح الشمس فى كبد السماء: أنتم أيضا لا تمثلوننا!