برودة...
 بقلم/اسامة ابوزيد
 قالت منفعلة: لا أريد نصائحك ولا نشر حكايتي. فقط أريد من يسمعني ويفهمني. اريد الفضفضة عما أثقلني. واصلت حديثها وقد هدأ انفعالها: اقرأ لك. تعجبني كتاباتك وأفكارك، فرأيت اللجوء اليك. قلت كما قال العرب قديما: تفضلي، كلي اذان صاغية.
قالت: لن اطيل عليك. حكايتي باختصار ان زواجي كان اشبه بصفقة. انه زواج البدل. هو تزوجني وأخي تزوج شقيقته. لا انا سعدت ولا هي ايضا. سافر زوجي بمفرده الى دولة اوروبية. تركني مع والدته المسنة في شقة كانت صغيرة ثم صارت واسعة كئيبة. يزورنا أياما خلال العام. أخبرته انني أعيش فراغا هائلا. أشعر ليلا ببرودة الجدران، وفراغ الغرفات. أتألم. أعاني. اشتاق. احترق. لا يهمه شيء. يصفني بالدلوعة، ويتهمني بعدم القدرة على تحمل المسؤولية. يردد دائما انه منهمك في جمع المال من أجلي وأجل اولاده.
واصلت حديثها وقد بدا الحزن عليها: لا أدري عن اي اولاد يتحدث؟! فلم ننجب حتى الان رغم مرور سنوات على زواجنا. لست راغبة في الانجاب. وهو ليس مهتما بالبحث عن الاسباب. أنشأت حسابا خاصا على الفيسبوك باسم مستعار لا يعرف عنه شيئا. فالكيمياء منعدمة بيني وبينه. احاول عبر هذا الحساب التنفيس عن نفسي. احاول احيانا اقامة علاقات خاصة مع رجال اشعر بانجذاب نحوهم لكنني اتراجع سريعا. ادرك أن قدرتي على المقاومة بدأت تخور. يتملكني الاحساس بأنني أتجه نحو الهاوية. إنني متأكدة انه يعيش حياته طولا وعرضا في اوروبا . أخشى على نفسي السقوط. بل بالفعل بدأت السقوط. أشعر انني أهوي.
 اختفت. طال اختفاؤها. نسيت حكايتها. مضى عام. فاجأتني بعودتها. قالت: جئت لأكمل حكايتي. تابعت: مرض زوجي مرضا خطيرا لا يرجى شفاؤه. رغم ذلك أصر على مواصلة عمله هناك ليل نهار في برد أوروبا وصقيعها لتأمين مستقبلنا، هكذا كان يخبرني. ترك لي ولوالدته مبلغا كبيرا ورحل. لقد مات منذ أسبوع. أكملت دون أن تبدو عليها علامات حزن او تأثر: بعد يومين من وفاته زارتنا امرأة جميلة بصحبة طفلين وسيمين قالت انها زوجته، وهما ولداه. أدركت انه تزوجني لأرعى امه العجوز التي كادت تطير من الفرح بولديه. اصرت على بقائهم جميعا في الشقة الواسعة. أبت كرامتي البقاء معهم. انتقلت الى مسكن اخر. قالت وكأنما تكلم نفسها: لا ادري هل ألومه أم ألوم نفسي؟ ليتك تكتب حكايتي. ثم اختفت قبل أن أسألها سؤالا كان يلح عليّ وحبسته حتى تنتهي من سرد حكايتها...