عقل جديد - بقلم: حسام فتحي
أثناء تصفحي السريع لردود فعل القراء عبر وسائل التواصل على عدد من القضايا التي شغلت ـ للأسف ـ الرأي العام المصري خلال الأيام القليلة الماضية، وجدتني أستدعي سؤالا مهما طرحه المفكر والأديب د.يوسف زيدان في كتابه «فقه الثورة»، حيث تساءل: «هل نحتاج نحن المصريين نظاما جديدا للإدراك والتفكير ليكون متوافقا مع الآفاق المستقبلية التي كشفت عنها ثورتنا؟.. وبعبارة أوضح هل يلزمنا عقل جديد لعالم جديد، بدأت آفاقه تلوح في المدى المستقبلي المصري والعربي؟
..كما وجدتني أعود إلى كتاب رائع ومختلف حمل عنوانا عربيا «عقل جديد لعالم جديد» كتبه أميركيان هما: بول اورليش وروبرت أورنشتاين، وترجمه ومنحه عنوانه العربي الأديب الكبير المرحوم بإذن الله تعالى د.أحمد مستجير، وفيه ناقش المؤلفان مسألة فلسفية واقعية وهي مواجهة الإنسان المعاصر لأزمة قد لا يشعر بها رغم خطورتها البالغة، حيث ظل العقل البشري طوال حياة الانسان على الأرض يعتمد على المعطيات التي تقدمها له الحواس الخمس المباشرة، بدءا من هذه الأزمنة القديمة التي كانت الحواس تحذره فيها من اخطار تهدد بقاءه أثناء حياته داخل الكهوف لمساعدته في صراع البقاء، ويعتقد المؤلفان ان معظم البشر مازالوا يفكرون في الامور وفقا للطريقة البدائية ذاتها، بما لا يتوافق مع تطور الحياة الذي وصل الى تعقيدات حياتنا المعاصرة.
..فإذا طبقنا هذه النظرية على ردود أفعالنا التي طغت على وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي فسنجد ان ازمة تطاول شخص واحد ليس لديه أي ثقل ثقافي أو سياسي او اجتماعي على نساء مصر، أخذ من الاهتمام أضعاف ما أخذه تدهور سعر صرف الجنيه، رغم تفاوت تأثير الأمرين على المصريين!
كذلك جاءت «بعض» ردود الافعال على تجاوزات بعض رجال الامن تجاه الاطباء غاية في الغرابة، حيث ذهبوا الى ان الاطباء ايضا لهم اخطاؤهم وسلوكياتهم السلبية.. وكأنهم بذلك يبررون الاعتداء عليهم!
..ثم كانت التعليقات المتباينة على قضية العثور على جثة طالب الدكتوراه الإيطالي، ليسارع اصحاب التعليقات والفتاوى والرؤى للجزم تارة بأنه ضحية تعذيب أمني، وأخرى كنتيجة لصراع الأجهزة، وثالثة كضحية للجماعة المحظورة بهدف إلصاق التهمة بالأمن وإحراج الحكومة، واستغرقوا في التفاصيل دون تركيز على التبعات والخسائر التي لحقت بالأمر.
وقِس على ذلك الاهتمام بالعديد من توافه الامور، التي تحظى بردود فعل لا تتناسب ابدا معها، والتي تؤكد اننا في مصر بالفعل نحتاج الى التعامل مع الواقع بـ «عقل جديد» يتعامل بالتفكير العلمي والمنطق، ولا يرى الامور فقط من خلال «شاشات» الإفك والتضليل.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.