.. مازلت أؤكد ان «الفساد» في بر مصر هو الخطر الاول على كل شيء، وأن مكافحته تحتاج الى وقت طويل، وتضافر جهود عديدة أولها جهود مجلس النواب الموقر، وآخرها وطنية وضمير كل مواطن شريف.

والخطر الأشرس في انتشار الفساد ليس مجرد حجمه وهل هو (600) مليار جنيه أم 100 مليار؟، بل الخطر في «تركة» الفساد التي ورثناها لأن هذا الفساد تمت «مأسسته» - لو صح التعبير - فهو فساد مؤسسي، تم تشريع قوانين خاصة لرعايته وحفظه وحماية ممارسته ودعم ممارسيه، وتوفير الاجواء «غير الصحية» لعمله، وسن القوانين لتأمين مستقبل المستفيدين منه!

الواقع يقول إن «آفة» الفساد غير قابلة للزوال، ولكن يمكن مكافحتها وتقليص حجمها ودرء مخاطرها الى اقل حد ممكن من خلال طريقين متوازيين، الاول يعتمد على صحوة «ضميرية» تناسب ما نريده لأبنائنا من حياة كريمة، تواكبها ملاحقات قضائية وجهاز رقابي محترم يتم انتقاء عناصره بعناية.

والطريق الثاني وهو الأهم والعاجل يتمثل في تعديل تشريعي جذري لكل القوانين التي تتعلق بمكافحة الفساد وحماية المال العام والخاص، وهنا بيت القصيد، فهذه القوانين اغلبها «سيئة السمعة» جعلتها الثغرات والثقوب غير قادرة على مكافحة فاسد ولا معاقبة مفسد، ولا حتى حماية كاشف لفساد!!

وهنا يأتي الدور «التشريعي» المهم لمجلس النواب الموقر، واعضائه المحترمين والذي يملك الآن وحده صلاحية تعديل القوانين القائمة، وتشريع قوانين جديدة لمواجهة غول الفساد الذي يفترس أي محاولات للتنمية.

وكذلك وضع الاسس والقوانين التي تغلق ابواب «الإفساد» مثل تعديل تشريعات الملكية وإجراءات تسجيل الممتلكات وحصر أملاك الدولة المتروكة «مشاعا» لواضعي اليد والقدم وكل ما يستطيعون وضعه في مواضع المال السايب، الذي لا يُعلم السرقة فقط، ولكنه كثيرا ما يؤدي لأسوأ من ذلك!

وبمناسبة استمرار نظام «وضع اليد» او ما يسمى في القانون المصري «كسب الملكية بالتقادم»، والذي ببساطة يعني ان تملك او تحتل او تستولي على ما لا يخصك لمدة 15 عاما، دون ان تنازعك فيه الدولة او الافراد فتتكسب حق ملكية الارض او العقار بـ«وضع اليد»، وهو امر ربما يصلح في العهد «العثمانلي» اما اليوم فلابد من ايقافه، وتحديد طريقة «حضارية» للملكية تغلق ابواب الرشوة والفساد، وتمنع السطو المنتشر على املاك البلاد.. واموال العباد.

أدعو الله ان يوفق نوابنا الافاضل لمعالجة قضايا البلاد المزمنة بدلا من اللهث وراء «تثبيت» الحصانة او رفعها عن بعضهم البعض!!

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.