شفقة...
بقلم/اسامة ابوزيد
 كانت المرة الاولى التي يغادر فيها قريته الى خارج حدود الوطن. أسرته بابتسامة مضيئة. وقف امامها مبهورا بخجل. دلته على مقعده المجاور للممر الضيق. راح يراقبها مفتونا بجمالها الهادئ، ورشاقتها العالية، وزيها الرسمي الانيق. همت الطائرة بالاقلاع. راحت بنشاط ملحوظ تغلق ما بقي مفتوحا من الخزائن العلوية للحقائب. طلبت من المسافرين ربط الاحزمة وتعديل وضع المقاعد.
بعد مرور نصف ساعة تقريبا وصلت اليه. تجر عربة ثقيلة لتوزيع الطعام والعصائر. التصق بجاره ليسمح بمرورها دون ان يضايقها. ابتسامتها غادرت شفتيها. لم يعد مفتونا بها. أدت مهمتها واختفت.
عادت بعد وقت كاف تجمع بقايا الوجبات وتوزع مشروبات ساخنة. انكمشت لتسمح لراكب سمين بالعبور متجها الى دورة المياه في مؤخرة الطائرة.
اثناء الهبوط، طلبت من الركاب ربط الاحزمة وعدم مغادرة المقاعد. لم يعبأ بكلامها احد. وقفوا. تناولوا حقائبهم العلوية. اغلقوا الممر الضيق. طلبت منهم بصوت عال متوتر الالتزام بالتعليمات. لم يستجب احد.
امام الباب المفتوح، وقفت تحيي المغادرين بابتسامة مرهقة متصنعة. كان حريصا اثناء مروره امامها ألا تلتقي عيناه بعينيها حتى لا يجرحها بنظرة عطف او شفقة...