"العتمه" مستمره.. بأثر رجعى!!بقلم : محمود الشربينى
------------------------------------------------------
قبل القراءه:رحل الدكتور زكى نجيب محمود كبير أساتذة الفلسفه المصريين منذ زمن بعيد وبقيت دعوته ل" تجديد الفكر العربى" حيه لاتموت. ويبدو أننا جميعاً سنرحل من دون تجديد الفكر ولاتجديد الخطاب الدينى الذي ظل منذ قرون -ربما تعود الى القرن الثانى عشر زمن إبن رشد- مطلباً للمفكرين والمستنيرين وحتى رؤساء الجمهوريه!
***************
بعض المحامين الباحثين عن الشهره، والذين يكسبون قضاياهم على طريقة الزعيم عادل إمام فى فيلم ( طيور الظلام)من خلال البحث عن "ثغرات" تنسف قضايا " التلبس" وتحولها إلى مجرد قضيه " فشنك"..لايزالون يجدون لأنفسهم مواطيء قدم ، ولايزالون يعملون بنفس الطريقه وبنفس الأسلوب الذى يحقق لهم مآربهم ،فيفرقون بين الرجل وزوجته كما فعلوا من الدكتور نصر حامد أبوزيد، ويسجنون الكتاب والإعلاميين مثلما فعلوا مع إسلام البحيرى وفاطمه ناعوت ولايزال الحبل على الجرار!
يكتب نفر من هؤلاء عريضة الدعوى على أوراق صفراء باليه، وهم يحتسون الشاى بالحليب على أي مقهى فى الشارع القضائى أو على دكه أمام مبنى أى محكمه فى شوارع مصر العتيقه، التى كانت "منوره" بأفكارها فاستحالت بفضلهم " مظلمه" و "معتمه".. بأثر رجعى!
شاى بحليب، أو قليل منه فى " الخمسينه"، مع بضع رؤوس من المعسل الحِمْىِّ، بعدها يبدأ تدبيج القضيه وحبكها حبكاً نحمد الله أنه يينتهى بالسجن وليس إلى حبل المشنقه.. يخرج بعدها الكاتب مهاجراً ويعيش بقية حياته مقهوراً مغترباً، يكرمه الآخرون ويفرشون له السجاد الأحمر، أما فى وطنه.. ف"السرايه الصفرا" بانتظاره ، إذا فكر مجرد تفكير،فى أن " يُهَوِّب" ناحية مطار القاهره الدولى ولو زائراً أو سائحاً!
ماجريمة هؤلاء ؟ جريمتهم أن هذا النفر من المحامين يدعون أنهم من ضمن وكلاء الله على الأرض ، الذين أصبحوا ظاهره فى هذا الزمان ، من توكيل طالبان إلى القاعده وداعش والإخوان! فيحققون بعض الذيوع والانتشار والشهره فى أوساط البسطاء ، بترديد أسمائهم فى الصحف ، وإن كانت صحفاً صفراء، وبالمتاجره بما حققوه- من سجن للكتاب أو تفريق بين المفكرين وزوجاتهم- فى أوساط الدهماء والبسطاء والعامه .. يتعيشون ويتكسبون و تسير مراكب أرزاقهم ، طافيةً فوق جثث كل من يخالف أفكار المجتمع السائده ، التى يلبسونها ثياب القداسه من دون تبصر أو تفكر !
تناول إبن رشد قضايا الفكر الدينى فى حياته وعلاقة الدين بالفلسفه ، فكانت النتيجه نفى الخليفه المنصور له فى القرن الثانى عشر وإحراق كتبه وتجريسه أمام العامه، أما فى القرن العشرين، وفى عصر مبارك ( اللامبارك) فالمهمه يقوم بها محامون وأئمة أشهرهم يوسف البدرى .. والمعروف عنه إقامة الكثير من الدعاوى القضائية ضد كتاب مصريين، إحداها كانت ضد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي والذي تم تغريمه بعشرين ألف جنيه مصري. كما حصل على حكم تضامنى ضد الروائي الراحل جمال الغيطانى والصحفى محمد شعير وتغريمهما أيضا بـ 20 ألف جنيه مصري. وحكم بتغريم الناقد جابر عصفور وصحيفة الأهرام مبلغ 50" ألف جنيه .
أما المستشار صميده عبد الصمد" فالتقط طرف خيط تقرير جامعى أشرف عليه الدكتور عبد الصبور شاهين يتهم المفكر الراحل نصر أبوزيد بالردة، تضمن إتهامه ب "العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهي للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (آيات شيطانية)ورفع " صميده"أمام القضاء دعوى "حسبة" طالباً إدانة أبوزيد! وفيما بعد تنصل الدكتور عبد الصبور من دعوى الحسبه التى بنيت على تقريره وفرقت بين الرجل وزوجته بتهمة الردة!أي بعد خراب مالطه!!
أما محمد عبد السلام عصران فقد أقام دعوى ضد إسلام إبراهيم بحيرى إتهمه فيها بازدراء الأديان، واستند فى دعواه على نصوص المواد 98 و160 ،161 من قانون العقوبات، وحكمت المحكمه بحبس البحيرى عاماً بتهمة إزدراء الأديان!
بنفس التهمه( الإزدراء) أيضا سجنت المحكمه الكاتبه فاطمه ناعوت ثلاث سنوات وغرمتها 20 ألفاً من الجنيهات ،بعد تعرضها لشعيرة الذبح فى عيد الأضحى ووصفها لحلم ( يابنى إنى أرى فى المنام أنى اذبحك) بأنه كابوس! ناعوت نفت أمام النيابة، أن يكون هدفها هو ازدراء الدين، واكدت أن تناولها القضية غير مخالف للشريعة الإسلامية ، وأوضحت أن ذبح الأضحية يعد نوعًا من الأذى الذى يحمل "استعارة مكنية"، وأن ذلك كان على سبيل الدعابه!
أذكر إننى هاجمت ناعوت بقسوه عندما كتبت ماكتبت، لكن بالطبع أنا لم أذهب إلى "الغرزه" أو إلى "القهوه" لأقدم عريضة دعوى لسجن ناعوت، لكنى طالبت الأزهر الشريف أن يتحمل مسئولياته ويتقدم لإستعادة دوره الذى أضاعه كسر مبارك لأجنحة أفكاره وتدجينه و" تثليجه" بحيث لايخرج من الفريزر إلا عند " الوليمه" .. سواء كانت" الوليمه لأعشاب البحر"، والتى أهاجت بحار المتأسلمين والمتطرفين عندما صرح لممؤلفها محمد شكرى الكاتب المغاربى بعرضها فى معرض القاهره الدولى للكتاب، أو كانت الوليمه " حفلة" ردح تقام على شرف مفكر يراد لصوته أن يسكت إلى الأبد!
دعوة الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب الدينى لم يتلقفها الأزهر ولم يفعل شيئاً بشأنها وكنت أحسبه سيتسعيد دور المفكرين العظماء من أمثال الامام محمد عبده والأفغانى،وسيوجه طلابه وباحثيه إلى إعداد رسائل ماجستير ودكتوراه فى نقد الخطاب الدينى المعاصر وحل إشكاليات التطرف التى تحاصرناإلى حد الفتك بنا! لم يعقد سيمنار واحد أو ندوه علميه أو حلقه نقاشيه فى الأزهر "المحاصر" من كل ناحيه.. محاصر من تلاميذه القابعين فى غياهب الافكار العتيقه، والكتب التراثيه التى يخشون لو إقتربوا منها لفتحوا على أنفسهم طاقة جهنم فلاتغلق أبداً.. ومحاصر من الجماعات الدينيه المتطرفه التى تنال من سمعة الأزهر كل لحظه تعتبره بأنه اصبح فرعاً من فروع النظام الحاكم بعد أن كان جامعاً وجامعه ومنارة للأمم! محاصر أيضا من الجماعه الارهابيه الإخوانيه، خاصة بعد أن شارك كأحد اللاعبين الأساسيين فى مشهد الثلاثين من يونيو ،واصبح منذ هذا التوقيت- ومعه الكنيسه الارثوذكسيه- فى مرمى نيران الإخوان المفسدين الذين يناصبون الازهر والكنيسه عداء لاهوادة فيه لكسر شرعية يونيو!
بعدما قرأتم: طالبت بالأمس فى إحدي القنوات الفضائيه التى دعتنى للحديث عن سجن الكتاب، بأن يستقيل الصديق والزميل حلمى النمنم من منصبه كوزير للثقافه إحتجاجاً على سجن الكتاب وذوى الأفكار، حتى تتبلور القضيه أمام الدوله وأمام الرأى العام، وكم كان مفيداً أن نعرف من فاطمه ناعوت أن أول رسالة تضامن تلقتها فى السجن كانت من "النمنم".
أُسْتُنْفِىَّ أبوزيد وغُرِمَ الشاعر حجازي، والناقد عصفور، وسجن البحيرى وناعوت ، بسبب آراء قالوها فى الدين والتراث .. أراء وافكار .. كيف يتجاهل الأزهر العريق أنها مجرد أفكار؟ كيف يتجاهل المتغيرات الحادثه فى عالم اليوم ، فلايهبط من عليائه ويدعو علمائه لمناظرة الكتاب والمفكرين الذين يختلفون مع أفكاره السائده ؟ لماذا لا يستطيع الأزهريون مواجهة الرأى بالرأى والفكره بالفكره والحجه بالحجه؟هل يفضلونها" معتمه"؟ لماذا يحبذون إسكاتنا بدلا من تنويرنا؟ لماذا يريدون أن يقبروا أفكارنا بدلا من إحياء علوم ديننا؟ لماذا يرهبوننا ويسجنوننا بدلاً من محاورتنا؟ لماذا يرهبوننا؟ حسناً ..ليسكتوننا؟