وداعا...
بقلم/اسامة ابوزيد
انتصف النهار ولم يجئ. توارت الشمس خلف الجبل الغربي مؤذنة بالرحيل ولم يجئ. ليس من عادته ان يتاخر عن زيارتي للتهنئة بسلامة الوصول، ان لم يكن مستقبلا في المطار فزائر في المنزل. هل اصابه مكروه؟!
آه! ماذا جرى لي؟ لقد شيعته صباحا الى لقاء ربه قادما على عجل من الكويت. أدركت جنازته في المسجد. شاركت في الصلاة عليه. هل يرفض عقلي الباطن التصديق انه رحل؟!
رغم فارق السن كان صديقا لأبي، ورغم فارق السن كان صديقا لي. كان عقله الواسع قادرا على استيعاب الاضداد، وكان صدره الفسيح قادرا على احتواء كل المتناقضات.
كنا نشعر بالبهجة وتنشرح صدورنا عندما نراه. وكانت ابتسامته لا تفارقه رغم همومه الكثيرة التي قد لا تحملها الجبال. خلال سنوات طويلة عشناها معا لم اسمع منه كلمة سيئة ضد احد. لم يعش لنفسه، عاش لخدمة الناس دون منة او بغية شكر او حمد، ففيها كانت سعادته ورضاه.
كان خير الناس. اذ كان انفع الناس للناس. أنهك قلبه العليل في الاصلاح بينهم. في قضايا الثأر بين العائلات، وفي خلافات الميراث والصراع بين الاشقاء، وفي اختلاف الازواج، وفي الاحزان والافراح.
كان يحلق في سماء انسانية لامتناهية. يسمو في مكانة لم يبلغها احد. يتألم لألم الناس ويفرح لفرحهم. لا يهدأ له بال حتى يقضي الحوائج ويعين المكروب.
في كل عطلة صيفية يحرص على ان نذهب سويا الى المقابر لقراءة الفاتحة على روح ابي. علي بعد الان، اذا كتبت لي حياة، ان اذهب وحيدا لزيارة ابي ... وزيارته.
ضرب برحيله اروع امثلة الايثار وهي الصفة التي كانت جوهرا في تكوينه وشخصيته. رأى شقيقه الاكبر يعاني مرض الموت وقد اوشك على النهاية، فآثر ان يرحل هو وكأنه يفتديه!!
سيترك رحيلك فراغا شاسعا يا أبا احمد، ايها الانسان المخلص الامين المتفاني الواصل لرحمه، لا في اسرتك الصغيرة او عائلتك الكبيرة بل في البلدان المجاورة والبعيدة ايضا.
وداعا ايها المربي الجليل القدير الاستاذ محمد ابراهيم السيد الرخ. وداعا ايها الكبير. وداعا يا شيخ جابر الرخ. وداعا ايها الصديق...الصدوق.