غربة...
بقم/اسامة ابوزيد
تجاهل رنينه في المرة الاولى. ثم تجاهله ثانية. يعرف بالضبط ماذا يريدون من وراء اتصالهم. يظنون انه يغرف من بحور المال غرفا. لم يصدقه أحد عندما قال لهم انه يعمل يوما وينام عاطلا اياما. ضحكوا عندما أخبرهم انه يستدين احيانا ليدفع نصيبه في إيجار المسكن. شقة بالدور الثالث تحتوي غرفتين فقط. يتجاوز عدد قاطنيها عشرة اشخاص. تقع داخل مبنى من ستة ادوار يسكنه العزاب.
استجاب على مضض لرنين لم يتوقف. دفعه الزحام واكتمال العدد للخروج الى الشرفة. قال متوترا لمحدثه: لم اجهز المبلغ. قد ارسله لكم الاسبوع المقبل. صمت يستمع الى الطرف الاخر. زاد توتره. علا صوته: قلت لكم سأرسله بعد أيام. الا توجد في قلوبكم رحمة؟ الا تستطيعون الانتظار؟ تريدون كل شيء في لحظة؟! ثم صمت ينصت الى الطرف الاخر.
واصل كلامه. راح يلوح بيده منفعلا. رفع صوته حتى سمعه الجيران. سال عرقه رغم برودة الجو الى حد ما. انزلق الهاتف من يده. مال بجسده النحيل دون وعي محاولا التقاطه. خانه سور الشرفة المنخفض. هوى. ارتطم بعنف بالارض الصلبة. تمدد سابحا في بركة دم. عاد بشلل تام الى حيث ولد. لم يعد امامه سوى ان يبقى ممدا على ظهره. شعر بغربة قاسية لم يتذوق مثلها طوال ثلاثين عاما قضاها في أرض الذهب. كان يبكي دون دموع. كان يتمنى موته كل صباح ومساء. كانوا أيضا يتمنون موته...