خساير" يناير!بقلم: محمود الشربينى

----------------------------------------

-قبل أن تقرأوا:انها ليست ثورة خالد سعيد ولا وائل غنيم ولا أحمد ماهر ولا أسماء محفوظ أوإسراء عبد الفتاح ..أو محمد البرادعى.. أو الإخوان ( المفسدون) أو من لمعت صورتهم وجلجت أصواتهم فى فضاء الاعلام . غداً سيقول التاريخ فى هؤلاء- وعنهم- كلمته، ولكن التاريخ قال كلمته فى شعبنا الصابر البطل ،الذي كان البطل الحقيقى فى ثورة يناير.. التى تحل ذكراها قريباً. فقد أصبحت فى هذه الايام مجرد ذكرى!

-----------------

كل من ركزوا على تشويه الثوره ونعتوها بأسوأ الصفات ،ممن وصموها ب "المؤامره" إلى من أطلقواعليها تعبيرات ساخره " إستلوها"- ولم يستلهموها!- من أشرف معانيها، فلقبوها ب" خساير يناير"لينزعوا عنها- زوراً وبهتانا- شرفاً لم ولن يدركوا معناه  بأنها " ثورة يناير"(!!!).. كل هؤلاء لم ينتبهوا الى انهم لم " يطعنوا" فى مصر وشعب مصر  فى أغلى وأنبل وأصدق ماقاموا به بعد ثورة يوليو المجيده. هؤلاء وبعد ان إستقروا ودانت لهم الأمور، وتبين لهم أين مواضع الكتف التى يأكلون منها،فاصبحت لهم منابر دعائيه، أو فضائيه، أو انياب برلمانيه،أو مصالح سياسيه وتحالفات جديده، قرروا ان ينظروا إلى  جانب واحد من الصوره.. وليس هذا وحسب وإنما بذلوا جهودهم فى تصديره لنا .. هؤلاء ركزوا على "الأكذوبه"  وكيف إختلطت بالحقيقه! كيف اختلط أدعياء البطوله والثوره بالحقيقه الناصعه..كيف إختلطت الأهداف بالنوازع الشخصيه، كيف إختلطت فكرة المقاومه وتعلم النضال السلمى بأهداف الآخرين الذين أرادوا أن يكون للثوره وقودٌُ يشعلها، فاستخدموهم للمساعده فى إشعالها وبلوغ ذروتها. وسواء "دربوهم" على فنونها ومهاراتها، وساعدوهم بالمال وبالضغوط الدوليه ، وبالإعلام ذو الأذرع الطويله ، والدراسات المتعمقه، والحيل والخداع والاساليب العلميه، ثم ماعرف فيما بعد بمسميات جديده مثل "حروب الجيل الرابع والخامس والسادس" الخ  ونحو ذلك مما لايمكن لاحد إدعاء العلم به أو معرفته وقت أندلاع الثوره، سواء حدث كل ذلك، فأن الحقيقه الاساسيه هنا هى أن هؤلاء يشوهون الثوره لأن هذا التشويه يتناغم ويصب فى مصلحتهم .. ويخدم أوضاعهم ومراكزهم الجديده التى حققوها. لكن الحقيقه الأكثر نصاعة هى أنه بالرغم من كل ذلك ، فإن الشعب "صنع" ثورته فعلاً، واصر على تحقيق مطالبه واسقاط نظام الديكتاتور الفاسد محمد حسنى مبارك .

عوامل كثيره ساعدت على إشتعال غضب المصريين فى ذلك اليوم المجيد فى تاريخ الشعب المصرى،فالثوره الينايريه ليست ثورة مائة ثائر أو ناشط ، وليست ثورة فصيل سياسي إدعى أنه ثورته وأنه محركها ومفجرها وأنه الأجدر بقيادتها، وهى ليست ثوره ربانيه كما حلا لصفوت حجازى أن يصفها بذلك ليخلع عليها وصفاً مقدساً، كى يعيد بهذا الوصف الفضل فى الثوره إلى الجماعه المباركه (وماهى بمباركه ولا يحزنون). وإنما ثورة يناير - ليست لأحد.. ليست لمصطفى .. بكرى أو النجار، وليست لحمزاوى أو للبرادعى أو لغيرهم ،فمن دون الشعب المصرى الذى هرع إلى الشوارع فى لحظة لاتنسى ، وإنضم إلى الشباب الذين جاءوا من كل فج عميق فى مصر ،تحركهم الآمال فى التخلص من تراث مبارك الذى جثم على حياتهم فأفقدهم التاريخ والحاضر وأعتم المستقبل وأوقف جريان النهر العظيم فى قلوب وعقول المصريين .. لولا تلك اللحظه الفارقه ، وهدير الملايين فى كل الشوارع والميادين أملا فى كسر حصار دولة مبارك المستبده وشباكها العنكبوتيه ، التى كانت تلتف حول اعناقهم آناء الليل وأطراف النهار، لما نجحت الثوره بعد ثمانية عشر يوماً فى إسقاط مبارك، ولعلى هنا أذكر اننى كتبت ذات مقال محيياً هذه اللحظه الفارقه التى استجاب فيها الملايين لنداء العشرات من شباب مصر الذين فجروا الثوره ، عندما خاطبوهم فى شرفات بيوتهم ولوحوا لهم باعلام الوطن : ياأهالينا انضموا لينا فكان ذلك النداء الساحر بداية لهدير الطوفان من الملايين الذين نزلوا اليهم ، وتوحدوا ضد العصى والهراوات وقنابل الغاز المسيله للدموع ، المدرعات التى تدهسهم  وتهصرهم من الامام ومن الخلف ،والرصاص بكل أنواعه الذي أُمْطِروا به و من جميع الانواع،فلم يهابوه أو يغلقوا صدورهم دونه.

أي شرف لدي أي أحد فى تجاهل تلك اللحظه ، وتجاهل الفوران المصري فى ذروته وفى حمم غضب على أوضاع فاسده؟ أيسلب مجد الشعب المصرى ونضاله السلمى ضد عصر فاسد برمته، لأن أحداً دعى للتدرب فى "صربيا" على فنون ومهارات إسقاط النظم الحاكمه والثوره ضدها؟ من ذا الذي كان يعرف هؤلاء الذين تدربوا فى هذا البلد، او الذين مول  أنشطتهم المعهد الجمهورى، او قدمت لهم  منحهم ماليا وعلميا هيومان رايتس ووتش او امنيستى دعماً ماديا مباشراً أو منحاً علميه ودراسيه أو ماشابه؟ من الذي كان يعرف هذه الاسماء المغموره التى لم يكن لها أي تاريخ ؟ وهل كان هؤلاء قادرين على تحريك الشارع ليثور ضد مبارك ولو عملوا عجين الفلاحه؟!

قولوا ماشئتم عن هؤلاء الذين لمعت صورهم وجلجلت أصواتهم إعلامياً أثناء الثوره، إنشروا شيكاتهم وبثوا تسريباتهم ، وافضحوا تعاونهم مع الاميركان والصربيين ومعاهد الشر البحثيه الاميركيه، وافضحوا علاقاتها بالصهيونيه، وافضحوا مؤامرات الاخوان واتفاقاتهم مع الاوربيين والاميركيين للوثوب إلى السلطه،إفعلوا ما تريدون لكن لا تسلبوا شعبنا العظيم مجده وثورته. شعب مصر لم يتدرب فى صربيا ولم يتلق تمويلاً من المعهد الجمهورى، وانما هو من اقتطعت من اموال المساعدات الاميركيه مئات الملايين من الدولارات المقرره بموجب معاهدة كامب ديفيد،لصالح المعارضه .. التى كان يمثلها أنذاك بعض الحقوقيين ومدراء مراكز الأبحاث مثل مركز ابن خلدون وصاحبه سعد الدين ابراهيم !

شعب مصر ثار على مبارك ،الذي كان يوما مقاتلا جسورا، ثم لعبت برأسه عوامل التعريه فنزعت عنه كل قيم العسكريه المصريه وراح يحكم مصر على طريقة العزبه والابعديه الخاصه، فاطلق العنان لنفسه فى أهدار القانون وسيادته ونزع عن الحكم سمة العدل، وغيب فى الحياه تدفق الدماء، ومنح الامتيازات كلها للفاسدين وابناء الفاسدين ليترك الوطن بلا عقل يضيئه ولاعلم يحركه ولا تعليم يقوده ولا اقتصاد يقود الناس الى حياة الكرامه والعيش الكريم .

بعد أن قرأتم:إقرأوا كل التقارير المشككه فى أهداف  النشطاء والحقوقيين ، والكاشفه عن حجم تجارتهم بالثوره، وتابعوا كل الافلام والوثائقيات التى تفضح من نشارككم تسميتهم  "خونة يناير".. والذين أداروا ظهرهم للشعب، وسمحوا "للعدو" بأن يسلب من الثوره القدره على التغيير ،وأن يفقدها البريق الذي كان لها فى القلوب والعقول، إفعلوا ماتشاءون لكن لطفاً: الشعب صنع ثورة فلا تنسوا ذلك ، ولاتهيلوا التراب على المجد الذي بلغه والذروه التى وصل اليها باسقاط مبارك عن عرشه، ولاتحملوه وزر "خساير ثوار يناير"!