لهفة...
 بقلم/اسامة ابوزيد
 المشوار طويل والزحام شديد. كان عليه ان يستقل الحافلة القديمة من محطتها الاولى حتى يضمن مقعدا. بمجرد وصولها امتلأت المقاعد كلها. في المحطة الثانية لم ينزل احد. ازدحم الممر الضيق بالواقفين. شيئا فشيئا تحولت الحافلة الى علبة سردين تعج بالاجساد البشرية المتلاصقة. رائحة العرق النفاذة سدت الانوف. كانوا يأخذون النفس بمشقة.
في مقعده المجاور للنافذة تسلل صوتها عذبا الى اذنيه. يشبه قطعة موسيقى من تأليف بتهوفن او عبدالوهاب. لم يسبق له ان استمع الى امرأة تتحدث بهذه السلاسة والثقة والحكمة والمنطق. حرك رأسه يسارا ويمينا لعله يراها. ذهبت محاولاته ادراج الرياح. قرر ان يضحي بمقعده رغم طول المسافة الباقية. نهض. تحرك بصعوبة بالغة الى الامام. شعر انه اقترب كثيرا منها. كانت واقفة. تدير ظهرها له. ممشوقة القوام. يتدلى شعرها برقة على ظهرها. تستمع الى امرأة سمينة مسنة تجلس على مقعد مجاور لممر الحافلة. كان متلهفا لرؤيتها. افتعل جلبة حتى تلتفت. أدارت وجهها. تجمدت ساقاه. اتسعت حدقتا عينيه. كانت فاتنة كقمر اكتمل نوره في منتصف الشهر العربي. لم تعبأ بنظراته الولهى.أدارت له ظهرها من جديد.
من الناحية المقابلة عاود الصوت العذب مغازلة اذنيه. ارتبك. استدار بصعوبة. كانت فتاة في العشرين تحادث اخرى في عمرها تقريبا. تدير ظهرها له. بدا صوتها العذب واضحا جليا. أحدث جلبة حتى تلتفت. أدارت وجهها. كانت اثار حروق قديمة تغطي نصفه الايمن. شعر برغبة جارفة في مغادرة الحافلة. التفت الى الجانب الاخر، الى ذات الوجه الساحر . لم يعثر لها على اثر...