سلام" .. على سالم!بقلم : محمود الشربينى

------------------------------------------------------

قبل أن تقرأ:ودعت الفنان المسرحي على سالم "بطريقتي"، وقلت "رأياً" فى مواقفه السياسيه،خصوصاً رحلته التي قام بها بسيارته من مصر إلى "الكيان الصهيوني"، والتي أسماها "رحلة السلام"!قلت رأياً.. ولكن المفاجأه أنني بدلاً من  أن أحظى بمناقشه سياسيه لما كتبت، فوجئت بأن هناك من الأصدقاء النبلاء من يقول لي : "لاتجوز عليه سوي الرحمه"، و" مش وقته"!! مع أن "كرامة المبدع  مناقشته وليست دفنه".. ففي مناقشته- فقط- إستمرار لحياته..وهذا قمة مايتمناه المرء!

*****************

بعض المدافعين عن "على سالم" يريدون له أن "يموت" من دون أن يقصدوا ذلك، وأردت أن "يُحْيُونَه" من جديد، فإما "يُحَيُونَهُ" عندما يناقشونه ويختبرون صحة آرائهم وقناعاتهم على ضفاف أفكاره، أو" يرفضونه".. أو على الأقل  يختبرون قدرتهم على نقاش ديمقراطى "أظنهم" يدعون له ليلاً و نهاراً،ولكن الفجوه هائله بين هذه "الدعوه" و"القدره" على التنفيذ!

لابأس..لابأس..هكذا هى أحوالنا في العالم العربي..نجمع بين المتناقضات بامتياز.. نمضغ في أفواهنا كلمة "الديمقراطيه" طوال الوقت.. ثم " نبصقها" بعد أن نقضي وطرنا منها..نستخدمها مثل"واقٍ" ذكري أدى مهمته.. ثم نرميه من دون كلمة شكر واجبه!

أفكار على سالم لاتستحق ممن يؤمنون بها هذا المصير..فقد تفتحت عيوننا علي إبداعه عندما شاهدنا" أغنيه على الممر" 1972.. وضحكنا معه - ولانزال - ونحن نشاهد "مدرسة المشاغبين"1973..وكلاهما-  الفيلم والمسرحيه- ارهقنا من أمرنا عسراً .. ف "أغنية الممر" تتغني  بالبطولات والتضحيات  ..وأُمُ المفارقات أن  حصادها- في 1994 - "مُرْ"!! فالفنان الذي غني لتضحيات الجنود انتهي به المطاف داعياً إلي التطبيع مع قتلة هؤلاء الجنود!

اما العمل الثاني وكان من المفارقات أيضا انه عرض بعد حرب اكتوبر بأيامٍ قليله فهو "مدرسة المشاغبين" التي ضحكنا عليها ومعها كلياً، ولكن "حصادها المر" هي الاخري تجلى فى تحول المدارس المصريه إلى " مدارس مشاغبين"،كتبت نهاية عصر التربيه والتعليم في المدارس المصريه!

عرفت على سالم في الثمانينات ،وأنا أكتب في مجلة "صباح الخير"..كان يستعد لعرض مسرحية "الكلاب وصلت المطار".. استلهم فكرتها من حادثه نشرتها الصحف ، فإلتقطها ،وحشد له عدداً من الممثلين المغمورين آنذاك، ( إبراهيم يسري) وإسماعيل يسري في أول تجربه له بعد برنامج الكاميرا الخفيه، وكانت "مغامره" مسرحيه بامتياز.. فقد كان " على سالم"  هو المؤلف والمخرج  والمنتج والممثل أيضا!! ولذا قال لى وانا اساله عن هذا العرض وماهية رسالته: انا مقاتل مسرحي ولن اترك المسرح حتي تدخله الراقصات"!ولهذا ردّ عليه سيد راضي قائلا: علي سالم فاكر نفسه "مسيح مسرح"!

سقطت "الكلاب وصلت المطار" سقوطاً مذلاً وذريعاً مع الاسف.. ولانقول هذا نكاية في"على" رحمه الله ، مطلقاً، وانما لأنها الحقيقه ، ولم تكن وحدها التى لم يحالفها النجاح ، ف" خشب الورد " التى ألفها على سالم ولعب بطولتها محمود عبد العزيز ،وصاحب عرضها صخب شديد ، حول منافسته للزعيم عادل إمام، سقطت أيضا، ولم تغرِ محمود عبد العزيز على المضي قدما كبطل  مسرحي!.. وأظن ان هذين العملين كتبا نهاية علي سالم كمبدع مسرحي، فلم يبق له الا الكتابه الصحفيه !

 شاهدته بعد ذلك كثيرا في سهرات "الأوديون" ( أيام الرو&<700; الجميل)  ! وكان محلاً مختاراً للكاريكاتيريست رءوف عياد و"مجموعة صباح الخير"، وكثيرا ماشاهدته يطلب " طبق التونه" في الواحده صباحا، واظنني اتذكر الآن بدايات عهدي بهذا الطبق الشهي الذي لطالما أعددته في بيتي لأصدقائي . حتي انتقلنا إلي "الجريون"( سهيل واحمد وطارق وباقي طاقم السقايه!) 

لم أرْ على سالم في "الجريون" ..لكن"على" كان دوما  " نقد" و" استياء " عارمين ..  رءوف عياد يفتح عليه النار ويهاجمه باقذع الالفاظ وكان محمد الرفاعي يصب عليه جام غضبه،  ورفاق كثر كانوا ينتقدون رحلته الي الكيان الصهيوني بسيارته اللادا( ني&<700;ا) رباعية الدفع .. وهي سياره ركبها في صدر حياته يحي الفخراني،  وحاكيتهما ظناً مني أنها صفقه جيده، فاشتريت إحداها علي الزيرو في الكويت سنة 1996، لأسافر بها براً وكانت محاكاه مؤلمه وسيارة تعذيب ممتازه!

على سالم ..كان من "حرافيش نجيب محفوظ" ، وفي عصر فرج فوده ، الذي شهد هجومه الحاد علي دعاة تطبيق الشريعه الاسلاميه، ومطلقي دعاوي الحسبه ونصيري التطرف ، كان على سالم هو ثاني أعلى صوت في هذه المواجهة.. لكن علي سالم لم يملأ فراغ  فرج فوده!

 مؤلفات علي سالم المسرحيه بقيت، وذهب كتابه عن السلام وذهبت مقالاته المؤيده للتطبيع،وذهب أصدقاؤه الصهاينه..

على سالم ظل وفيا حتي الرمق الاخير لرحلة الموت المبكر التي ارتحل فيها الى تل ابيب ولم يجرؤ ابدا على التنصل منها او يفكر في الاعتذار عنها ومع ان الشهداء العرب يسقطون كل يوم في الاراضي العربيه المحتله ، الا ان علي سالم لم يفكر يوما في رثاء شهيد منهم أو في نقد أصدقائه الصهاينه الذين يسفكون دماء العرب من المحيط الي الخليج .. ولم يهتف فينا باعلي صوته : انا مع السلام لكنهم دعاة حرب !

إغتالت إسرائيل الأطفال في "بحر البقر" في الستينات، ولم يردعها رادع، من تكرار جرائمها مع الأطفال الفلسطينيين ..وظني أن الدماء التى سالت علي الكراريس، ونزفها بعد ذلك محمد الدره ومازال ينزفها عشرات الاطفال كل يوم ، تستحق كتبا ترد علي رحلة على سالم الي اسرائيل؟ استغرب انه- وهو الكاتب والفنان المسرحي- لم ينفعل باستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدره فى حين انفعل به ملايين العرب؟

تهويد القدس وتعريض الاقصي كل يوم لخطر الهدم ، بالحفر تحت اعماقه والزعم بان هيكل سليمان مطمور تحت ابنيته، والسماح بالاقتحام اليومي للمستوطنين للمسجد المقدس ، وعدم انفعال علي سالم به امر غريب عجيب!! فقد انفعل ب "وصول الكلاب الي المطار" لكنه لم ينفعل باطلاق النار حتي الموت علي طفل كمحمد الدره؟!لم يصدق أن الكيان الصهيوني استلب الارضي الفلسطينيه ومايزال يحتل اراضي عربيه، ومايزال يقيم الجدران العازله ومازال يغتال ويطار ويدمر في غزه والضفه ويجتاحها متي شاء!

لم يدفع  تمزيق الاسرائيليين ل"سلام سالم"كل يوم على مراجعة موقفه من الكيان الصهيوني ، بل انه دفعه لقبول جائزتين، إحداهما دكتوراه فخريه من جامعه" بن غوريون"، والثانيه خمسون الف دولار قيمة جائزة الشجاعه من جمعية تراين  الاميركيه!

بعد أن قرأتم: تمنيت أن أظل محتفظاً بصداقه مضطرده معه ،منذ أن التقيته في الثمانينات، لكن صدقوني: لم أستطع ذلك ، لم أستطع أن أجعله صديقي.. فقلبي وعقلي رفضا تماماً هذه الصداقه.