كان الوقت مبكرا جدا، وظلام الليل مازال ينتظر الشروق. وجده امامه بجلبابه الداكن الثقيل. سأله بضيق: ماذا تفعل في هذا الوقت المبكر؟ اجاب ضاحكا: ذاهب الى محطة القطار في سفر مفاجئ، وتابع: يبدو انك مسافر ايضا! دعني احمل عنك حقيبتك، وهيا نسلك طريقا مختصرا بين الحقول. كان يتشاءم من رؤيته رغم انه ابن خالته.
 
لم يكن يحبه ولم يكن يكرهه كذلك. كان يشعر ان مصيبة ستحل به في كل مرة يلتقيه. سأل نفسه: كيف أهرب منه؟
 
 هل ألغي سفري وأعود الى البيت من جديد؟ ماذا اقول لامي؟ تابع أسئلته: هل أستقل سيارة اجرة بدلا من القطار حتى لا أجتمع معه في سفر واحد؟ هل أطلب منه مباشرة ان يبتعد عني؟ كان يؤمن تماما أن هذا الشاب الذي يسير بصحبته الان نحس لا علاج له. وأن صحبته ستنتهي الى كارثة مدوية. فماذا يفعل؟ ظل عقله مستغرقا في البحث عن مخرج لهذا المأزق الكبير. لم يشعر بنباح الكلاب الشاردة التي كانت تهاجمهما.
 اخرجه من حيرته اصطدام ابن خالته به.
 
انتبه الى انه يكثر الحركة حوله. مرة يسبقه ومرة يتاخر عنه. مرة يسير عن يمينه واخرى عن شماله. مضيا هكذا طويلا دون حديث. فجأة احتضنه. خرق اذنه صوت رصاصة واحدة. لمح رجلا يجري ليتوارى بين الزروع. سقط مرافقه بين قدميه يتأوه.
 
 ركع مضطربا ينظر ماذا اصابه. قال متحدثا بصعوبة: لم اكن مسافرا يا ابن خالتي. طلبت مني أمك ان ارافقك حتى بوابة المحطة. واصل حديثه متألما: اعلم انك تتشاءم من وجودي مع انني احبك كثيرا. كنت أتفاءل بطلتك وابتسامتك وضحكتك. هيا أسرع لتلحق بالقطار. ساتدبر امري.
 ثم اغمض عينيه وصمت. ضمه الى صدره بقوة. قبّل رأسه.
 راح ينتحب بحرقة...