بذل جهدا مضاعفا في تلميع سيارة الباشا. هكذا يطلقون عليه. صباح الخير يا رشاد. توقف عن تنظيف السيارة، التفت وراءه، حياه بكلتا يديه: صباح النور يا باشا. سأله: اين عم رمضان اليوم؟ انه ينام في غرفته مريضا وأعمل بدلا منه حتى يتعافى. برافو عليك يا رشاد. انت ولد بار، بارك الله فيك. ألم تلتحق بعمل؟ قدمت على وظيفة حكومية مرموقة و البركة في معاليك.
 
 قال والسائق يفتح له الباب الخلفي: اعتبر نفسك موظفا منذ الان. كان الباشا احد المناضلين الكبار في الدفاع عن حقوق الانسان والاقليات، ومناصرة قضايا المرأة ومحاولة تحقيق العدالة الاجتماعية، ورفض التمييز بين البشر مهما كانت الاسباب. كانت صوره وأخباره تملأ المجلات والصحف والشاشات.
 
في وقت متأخر من الليل زاروه وحيدا في غرفته. طلبوا منه ان يخطب نجلة الباشا لابنه رشاد. ابدى استغرابه ثم استنكاره الشديد: اين انا واين الباشا؟ لو فعلتها لاتهمني بالجنون. ربما طردني من الدنيا كلها. قالوا بحسم: ان لم تفعل ستفقد ولدك للأبد. بيد مرتعشة ضغط جرس الباب. فتح له الخادم.
استقبله الباشا بترحاب بالغ. تحدث بكلمات غير مفهومة. تلعثم. قالها وهو يتصبب عرقا: اريد خطبة الهانم ابنتك لابني رشاد. انفجر الباشا ضاحكا. قال بعد صمت مصطنع: ابنك الان التحق بوظيفة مرموقة وسيكون له مستقبل باهر. ومن حقه ان يطمح كما يشاء. اعتبرني موافقا مبدئيا. لم يصدق نفسه. ظن انه في حلم. اخبر ابنه انه سيذهب الى البلدة عدة ايام وعندما يعود سيخبره بنبأ سعيد. مضى يومان. تلقى اتصالا هاتفيا يطلب عودته سريعا لامر جلل. عاد. اخبروه انهم وجدوا رشاد معلقا من رقبته في مروحة سقف الغرفة. وان القضية سجلت... انتحار.
 
كان كلما رأى احد سكان البناية الشاهقة يسرع اليه، يستوقفه، يخبره بمرارة: ولدي شاب مؤمن، لايمكن ان ينتحر ابدا. الباشا، الرجل الطيب، وافق على ان يزوجه ابنته. ربنا يخليه ويحفظه ويعطيه طول العمر. ثم ينهار باكيا...