كان كلما رآهم مجتمعين بالوادي في احدى مناسباتهم يسارع الى تسلق الجبل ومراقبتهم من أعلى قمة فيه. كان ينتشي عندما يراهم امامه صغارا اقزاما مثل حشرات حقيرة يود لو سحقها بحذائه فيسويها بالتراب.
 
 كثيرا ما يتمنى ان يخر الجبل الشامخ فوق رؤوسهم، او تبتلعهم الارض فلايبقى لهم ذكر او يحمل مشعلا فيحرقهم في بيوتهم. لم يتحقق شيء من امانيه. فلم تبتلعهم الارض ولم يحرقهم ولم يتهاو الجبل فوق رؤوسهم. لم ينتقم منهم طوال سنواته العشرين سوى بالتسلل ليلا وكتابة عبارات على جدران منازلهم تسبهم وتهتك اعراضهم دون ان يعثروا على اثر له.
كانوا يطلقون عليه ابن الرقاصة. من بعيد جاءت به امه رضيعا واستقرت في اطراف القرية منبوذة ملعونة. كانت تتركه عند جارتها السيئة السمعة عندما تذهب للرقص في فرح باحدى القرى المجاورة او البعيدة. لا ينسى ابدا تلك اللحظة التي لم يكن يتجاوز السابعة عندما سحبته امه الى المسجد تشكو لهم ما فعله الغفير القصير بطفلها. اتهموها بالفسق والفجور ونشر الفاحشة. طردوها كما يطردون كلبا أجرب مسعورا. استعاد اللحظة القاسية. ارتعش. تصبب جسده عرقا.
 
 مازال ماثلا امامه الغفير القصير بوجهه الدميم عندما استدرجه خلف الساقية المهجورة. كاد يتعثر اثناء نزوله الجبل. اسرع الى بيته الذي يقطنه وحيدا بعد أن ماتت امه. حمل صفيحة صدئة امتلأ ثلثها بالجاز . مضى مستترا بالظلام الى حيث الوادي...