قبض راتبه.
 عاد الى بيته قبل موعده.
 سأل أمه ماذا سيأكلون؟ طلب منه أبوه أن يشتري لحما له ولإخوته الصغار. فلا يوجد شيء يصلح طعاما للغداء. قال متضجرا: ليس معي نقود، مضيفا: ولست مسؤولا عن غداء احد، ثم أشاح بوجهه وذهب مغاضبا الى الغرفة الصغيرة التي يستقبلون فيها الضيوف. كانت ذات بابين: احدهما يطل على الشارع والاخر متصل بالبيت.
 
بعد أذان الظهر بقليل اقتحم الغرفة احد اخوته يخبره ان رجلا في الشارع يسأل عنه. خرج مسرعا. استقبله بالأحضان. منذ ان أنهيا خدمتهما العسكرية قبل سنوات لم يلتقيا او يتواصلا رغم انتمائهما الى محافظة واحدة وقريتين متقاربتين. كان اقرب صديق له خلال فترة التجنيد. في الغرفة ذات البابين رحب به مجددا.
 
قال صاحبه وهو يضع حقيبة سفر صغيرة جانبا: هذه اول مرة ازور البلدة منذ ثلاث سنوات. اخذتني الحياة في العاصمة. جئت لأحضر جنازة ابي. تذكرتك وأصررت على لقائك. سألت عنك كثيرا حتى اصل اليك. خرج من الغرفة مرتبكا،يبحث عمن يسعفه. استعان بأحد جيرانه. اعطاه نقودا وطلب منه شراء لحم وخضراوات. ناشد أمه ان تسرع في تجهيز غداء الضيف. عاد الى صاحبه. وراحا يستذكران الماضي. لم يمكث ضيفه طويلا. هب واقفا لينصرف. شده من يده يجلسه: لن تذهب قبل أن تتناول غداءك، بل ستبيت معي الليلة. قال صاحبه وقد عاود حمل حقيبته:
 انني صائم اليوم يا صديقي ،كما انني مضطر للذهاب لألحق بقطار الساعة الثانية. حجزت تذكرة فيه. استسلم للأمر الواقع. سار معه الى الطريق الترابي الواسع. أوقف إحدى سيارات الاجرة المتجهة الى المدينة. ودعه وعاد الى البيت، حزينا صامتا.
غفا في الغرفة الصغيرة. لم يخرجه من غفوته سوى طرقات أمه على الباب تخبره ان طعام ضيفه أصبح جاهزا. ذهب الى ابيه. احتضنه. انحدرت دموعه...