انتهى من ارتداء بدلته الانيقة التي اشتراها خصوصا لهذه المناسبة. اطمأن امام المرآة الى اكتمال اناقته. كان يدرك تماما ان فرصة كهذه لن يجود الزمان بمثلها. ظل طوال ثلاثة اعوام يوزع اوراقه وشهاداته على وزارات الدولة ومؤسساتها وشركات القطاع الاهلي دون كلل او ملل، حتى هاتفه امس احد موظفي تلك المؤسسة العريقة ضاربا له موعدا مع احد مسؤوليها الكبار. كان متوترا بعض الشيء. إذ سمع اكثر من مرة عن حزم هذا المسؤول الكبير وجموده وعجرفته وتعاليه. استعاض عن الاتوبيس بتاكسي. لامجال لديه للتأخير او بهدلة المواصلات.
 
امام المبنى الشاهق وخلف السيارة الحديثة ذات الدفع الرباعي توقف التاكسي قبل الموعد بنحو نصف ساعة. رآها تهم بركوبها. اسرع الخطى اليها. سألها: ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت المبكر؟ اجابت مرتبكة مشيرة الى الناحية الاخرى من الشارع: شعرت بالملل فجئت اتسوق في هذه المحال. واصل استنكاره: ولكنك لم تشتري شيئا! قالت: لم يعجبني شيء. ادارت دفة الحوار الى الناحية الاخرى: وانت ماذا تفعل هنا؟ اخبرها ان لديه مقابلة وظيفية مع مسؤول كبير في هذه المؤسسة العريقة. هنأته مقدما.
 
طلب منها انتظاره حتى يرجع. اختفى نحو ساعة ثم عاد منفرج الاسارير. كانت السيارة خالية منها. انتظر بضع دقائق. اقبلت تحمل اكياسا بلاستيكية فاخرة. ركب الى جوارها. طلب منها التوجه الى مقهى هادئ لتناول الايس كريم احتفالا بتعيينه. راح يقص عليها كيف صال وجال امام المسؤول الكبير متحدثا في التخصص المطلوب والسياسة والاقتصاد ومستقبل الدولة. اخبرها بمهارته في اجبار المسؤول الكبير على احترامه وتقديره وان يبدو لطيفا مرحا ضاحكا طوال زمن اللقاء، فقدم اليه الشوكولاتة والعصير. عند الاشارة الحمراء توقفت. اجرت مكالمة هاتفية استغرقت ثواني شكرت خلالها الطرف الاخر. مازال يحدثها دون ان يلتفت اليها عن مهارته وإبداعه وثقته بنفسه خلال المقابلة. كانت تراقبه وهو يتحدث بسعادة غامرة. كانت سعيدة لسعادته. تحولت الاشارة الى اللون الاخضر. انطلقت السيارة نحو المقهى الهادئ...