كان يكبرهم بعامين او ثلاثة. لم يتجاوز الثامنة. ينتظرونه عقب طابور الصباح ودخول التلاميذ الفصول وسط اشجار النخيل المتباعدة وراء المدرسة. يستمعون اليه بشغف وانبهار . يحدثهم عن بطولاته وقدرته على اختراق السور الشائك، وكيف يخدع اباه بادعاء الذهاب الى المدرسة كل يوم ثم العودة الى البيت في الموعد نفسه مع بقية التلاميذ.
 
من بعيد رآه قادما نحوهم بزيه الكاكي الباهت. اختبأ خلف احدى النخيل. اشار اليه. لم يكونوا يعرفونه، اخبرهم انه ابوه طالبا منهم التزام الصمت حتى يمر ويبتعد. مضى قريبا منهم دون ان يعبأ بهم. انطلقوا وراءه.
 
اخبروه ان ولده هارب من المدرسة ويختبئ هناك خلف النخلة. كان يحتمي بنخلة عالية. كلما اقترب زاد التصاقه بها. اخذته الذاكرة الى يومه الاول في المدرسة. كان كارها الذهاب اليها. خائفا يرتجف، فانهال ابوه عليه صفعا وركلا ثم انتزع حزامه العريض وراح يجلده بجنون. حاولت امه حمايته فنالها من الصفع والركل والشتم ما جعلها تبتعد ثم راح يجره الى المدرسة جرا.
 
 اطبق عليه بقبضة من حديد. سحبه من وراء النخلة العالية. انهال عليه صفعا وركلا بحذائه الاسود الثقيل. انتزع حزامه وجلده بقسوة. وقفوا يرتجفون. يبكون. كادت قلوبهم الصغيرة تتوقف عندما رأوا الدماء النازفة من انفه تلطخ مريلته القديمة. راحوا يمسحون دموعهم بأكمام وأطراف جلابيبهم القصيرة. كان يجره على التراب الناعم مبتعدا عن انظارهم....