عاش .."يحي قلاش"!- بقلم : محمود الشربيني
-------------------------------------
-قبل ان تقرأ: " إعلام العار"! كم أمقت تلك الجمله.. كم اكرهها ..اتفهم احيانا دوافع استخدامها خصوصا من قِبّلْ العارفين ببواطن مهنة الاعلام .. ولكني اشعر بانزعاج شديد، من ان يلوكها الناس "العاديون "بالسنتهم، وهم يتحاورون فيما بينهم ، اذ كلما استعصي عليهم جدل، او فشلوا في كسب نقاش او حوار.. رفعوا هذه اللافته، او الشماعه وقالوا بسرعه" ده إعلام العار" هو من يقول ذلك!!
---------------------
- يحدث ذلك بينما يعمد هؤلاء -الذين يغمزون الاعلام من قناة " النفاق"و" التضليل" و"تجميل القبيح "و تجاهل اثارة "القضايا الشائكه"- وكلها معروفه ومحفوظه- الي الاستلقاء امام جهاز الtv كل ليله، ليحصلوا علي نصيبهم اليومي الذي يقررونه لانفسهم من هذا الاعلام .. الذي يصمونه بانه " إعلام عار"! في صوره تعكس جانبا شديدا من التناقض الذي يملأ حياتنا واصبح منهاجا واسلوبا للحوار و واصبح سمة يشتركها فيها كثيرون ، لانستثني احدا، ربما حتي كاتب هذه السطور يمكن ضبطه متلبسا بممارسة" رذيلة التناقض"!
- الناس تقريبا معذورون ، فهم يقرأون الشيء وعكسه في وقت واحده ، والحقيقه تذاع بالف وجه ، وكل يغني علي ليلاه .. وحجة" ممارسي" هذا النمط من الاعلام ،( إعلام لَيْلَّى&<648;!) رغم الهجوم الضاري عليهم ، والذي يخصم حتما من رصيد مصداقيتهم ، هي انهم يرون في (تجميل الحقائق) هذا نوعا من الوطنيه في الظروف الراهنه ! وان من يخرج عن "الطابور" من الاعلاميين في هذه المرحله ، انما يقدم هدايا مجانيه لاعداء النظام (...) من الاخوان ومشايعيهم من جماعات التاسلم السياسي ،الي حلفائهم من اناركيين وليبراليين الخ .. فيرون انهم اذا وجهوا نقدا صارخا لتوجهات الدوله او عالجوا - مهنيا- ملفا من الملفات الحساسه، كالامن او كيفية مواجهة التطرف، او مايجري في اقسام البوليس،او العلاقات المصريه - الاسرائيليه،او كشفوافسادا او اوضحوا عيوبا تشوب الاتفاقيات الاقتصاديه الخ ،فإن هؤلاء حتما سيستخدمونها في معركتهم الاعلاميه ضد الدوله ، ويشهرون بها ويصمونها باشنع الصفات ، في الداخل والخارج. وهكذا وبعذه الذرائع يضع الاعلام المصري - قطاع عريض منه خاصة المرئي والمسموع- نفسه في "سلة الاتهام بانه" إعلام العار"فعلا!
-المعنيون بالمهنيه الاعلاميه اطراف عديده ومتنوعه، من كلية الاعلام الي كليات الاداب التي اضحت تدرس علم الصحافه لطلابها ، الي الجامعات والمعاهد الخاصه التي تؤهل طلابها لنيل البكالوريوس في الاعلام،بما فيها من مناهج، ومالديها من خبرات اكاديميه وتعليميه تؤهل الدارسين للاشتغال بمهنة الاعلام ،إلي المؤسسات الصحفيه - والاعلاميه المتنوعه-التي تقدم للخريجين ،الخبره الميدانيه والتدريب علي فنون ومهارات العمل الاعلامي، وفضلا عن هذا وذاك " نقابة الصحفيين" التي كانت تضع معاييرا ومقاييسا يوما ما ،يقاس علي اساسها مدي كفاءة الخريجين والمتدربين علي ممارسة المهنه !
- اتذكر انني في عام 1988 عندما تقدمت باوراقي للانضمام الي نقابة الصحفيين ، كنت اشعر بزهو انساني غريب، فقد كان لدينا اساطين في المهنه يجعلوننا نشرف باننا ننتسب معهم الي اعرق نقابه للراي في مصر.. كان هناك الاساتذه صلاح حافظ، وعبد الرحمن الشرقاوي، وصلاح عيسي - في أوج مجد "الاهالي"- وعبد الله امام ،ومصطفي امين، ومصطفي شردي، وفيليب جلاب ،ومكرم محمد احمد، وكامل زهيري( نقيب النقباء) وكان هناك الاستاذ .. " هيكل" .
كنت اكتب في روزا اليوسف ( وكانت بوابتي الي هذه المؤسسه الاثيره مجلة صباح الخير) ..اذكر ان الراحل الجميل مجدي مهنا وكان رئيسا للجنة القيد آنذاك قال لي - وكنت تقدمت لنيل شرف العضويه باعتباري مراسلا معتمدا لجريدة الانباء الكويتيه من مكتبها في القاهره- لقد قبلنا اوراقك ،ليس لانك تعمل في الانباء ، ولكن لانك تعمل في روزا اليوسف ونحن نعرفك ! وبالطبع في هذا اليوم ، اذكر ان زميلا وزميله كانا تقدما معي الي نفس اللحنه التي يراسها " مهنا" وقد انبأني بان النقابه ليست متاكده ان كانا يعملان في التحرير او يجلبان الاعلانات ، فاوضحت له انهما محرران واحداهن لها " خبطات" صحفيه " سَمّعِتْ" .. واما الزميل الاخر فهو مسئول اعداد الموضوعات للنشر للمحررين ، وكنت بحكم خبرتي تسند اليَّ هذه المهمه معه .
-كان هناك معيار وهو ان تنتمي الي مؤسسه مشهود لها ب" تخريج كتائب مقاتله من الصحفيين ،تدربت علي ايدي اساطين المهنه، وان لاتكون عملت في مجال جلب الاعلانات ، لان هذا الخلط مفسد للصحافي، لكن بمرور الوقت سقطت هذه المعايير ، كما سقطت - او اسقطت غيرها- بفعل المناخ الفاسد الذي ساد في مصر - مبارك ، خاصة في تسعينيات القرن الماضي وحتي اندلاع الثوره ، ومن اسف انه لايزال مستمرا بعد ثوره ، وحركه تصحيحيه للثوره!
- عندما كنت احدث بيانتي بالنقابه ، واستخرج كارنيه العضويه للعام 2015 ، ( احمل كارنيه عضويه رقم: 3691 للعام 1990 ) ، تجاذبت معي اطراف الحديث احدي اقدم الموظفات في النقابه ( مدام ساميه) قالت لي : العدد يقترب الان من احد عشر الف صحفي وصحفيه! وتابعت : للاسف يااستاذ محمود " المهنه ل&<648;مِتْ .. واغلب هؤلاء المنضمين للنقابه لا يستحقون هذا الشرف، فلاعلم ولامهنيه ولاحتي اخلاق صحفيه ، او احترام لمعايير الشرف الصحفي.
- اغلب هولاء هم من يعملون بالمهنه ، التي تمثل بالنسبه لهم سبوبه واكل عيش ووجاهه اجتماعيه وطريق ايضا نحو السلطه والشهره والنفوذ .. للمحظوظين . ومع هذا فانني " مازلت امقت كلمة اعلام العار" وارفضها بشده .. مع تسليمي بان جزءا من المشكله والعيب في الصحفيين والاعلاميين.. وايضا فيمن يعلمونهم بعض فنون ومهارات الاعلام ( اذكر ان زميلي الكاتب الشاعر محمد هزاع كان فكر ّ يوما في نيل الدكتوراه في الاعلام من جامعة القاهره ، لكنه بعد مضي بعض الوقت رفض اكمال الدراسات التمهيديه، بسبب ملاحظاته علي طريقة التدريس وعدم تقبل الراي الناقد والاختلاف في الرأي في مهنه عمادها الاساسي هي الحريه .. في الرأي والفكر !
- نعرف الان من الذي اوصلنا الي "اعلام العار" هذا ؟ ربما " بَرْوَّزَّ" زملاؤنا في الفضائيات ممن اصبحوا محدثي مايعرف ببرامج ال " توك شو" هذا المعني باساليبهم وطريقتهم في العرض وتجاهلهم لاخبار حساسه ، ربما خوفا او طمعا او او نفاقا، حتي ان بعضهم يزينون الفضائح والسقطات والعيوب والمثالب .. ورغم ان مواثيق الشرف الاعلاميه التي اقترحت كثيرا ولكن لم يتم اقرارها حتي اليوم ، اصبحت علي الرغم من ذلك مستقره في الضمير المهني الصحيح ،وبات معروفا "محرمات" المهنه، مثلما بات معروفا "محللاتها".. لكن الامل كبير في تجاوز هذه العيوب واستعادة كرامة وهيبة المهنه واحترامها وازالة وصمة اعلام العار هذه من قاموس المصريين!
- التفاؤل بفوز " يحي قلاش" بمنصب النقيب هو من يدفعنا لكتابة هذه السطور .. فنجاحه انتصار لقيم المهنه ، فانا اعرفه منذ ان زاملته في مكتب جريد الخليج الغراء ، وكان مثالا يحتذي في المبدئيه والمهنيه ، وتفاؤلي به كبير ، في انه يسطيع ازالة مفهوم اعلام العار من قاموسنا المهني والاخلاقي ." عاش يحيي قلاش"!