توارت الشمس خلف اشجار النخيل الباسقة. فرد الظلام سطوته على القرية كلها. فوجئ الاب العائد من صلاة العشاء بالحشود تحيط بداره. خلف الباب الخشبي استقبلته بعاصفة من الاتهامات والغضب: قتلت الولد، ولدي الوحيد. لماذا اقتلعت النخلة؟ حاول جاهدا السيطرة على انفعالاته ودموعه: تركته في حمايتك ورعايتك. امام الدار قال احدهم: رأيت الولد عصرا بصحبة خاله حسن يتجهان ناحية الشرق. كان حسن اخر اشقائها السبعة. ولد في اليوم نفسه الذي ولدت فيه ابنها عندما غرسوا فسيلة النخلة بجوار السور الطيني. كان اهل القرية يتندرون سرا احيانا وجهرا احيانا اخرى بحكايتهما.
 
الام وابنتها ولدتا في يوم واحد! هرولت الى بيت ابيها تتبعها بعض بناتها وحشد من اهل القرية. اقتحمت البيت الواسع الخالي من الاثاث. كان حسن رغم الصيف القائظ يتغطى ببطانية قديمة سوداء. نزعتها بعنف. كان يرتجف. يتصبب عرقا. تنهمر دموعه. سألته عن ولدها. لم يجبها.علا بكاؤه. صفعته. اعترف بأنهما ذهبا الى النهر ليتعلما العوم فجرفه التيار وابتلعه الماء. شقت ثوبها، ولطمت خديها. صرخات مدوية اخترقت الظلام. حملوا مصابيحهم ومشاعلهم واتجهوا صوب الشرق حيث يجري النهر وسط نباح الكلاب الضالة ونقيق الضفادع...