اخيرا قرروا هدم الحائط الطيني واقامة اخر اسمنتي بدلا منه. واجهتهم مشكلة شائكة. فالحائط تميل نحوه وتكاد تلتصق به النخلة الصغيرة ذات الاعوام الستة، ولاقتلاعها يجب الحصول على موافقتها ونيل رضاها.
كانت تحمل للنخلة في قلبها قدسية خاصة. فقد غرسوا فسيلتها يوم انجابها ولدها الوحيد الذي ظفرت به بعد خمس بنات، ومن المستحيل ان تقبل اقتلاعها مهما بلغت الأسباب. حفروا عميقا حول جذورها. حاولوا تدويرها لتميل الناحية الاخرى. فشلت محاولاتهم. سقطت النخلة على الارض. اسرعت احدى بناتها تخبرها. جاءت كالعاصفة. صبت سخطها ولعناتها على كل الحاضرين. انتبهت فجأة الى غياب ولدها. صرخت تسأل بناتها. امرتهن بالتفرق والبحث عنه سريعا. مضت الدقائق ثقيلة. الاب يصلي العصر في المسجد البعيد. مضت ساعة كاملة. لم يعثروا على الولد. كاد يطير عقلها. راحت تردد مذهولة: النخلت سقطت. النخلة سقطت. ألقت بنفسها في الترعة الصغيرة المجاورة للبيت الطيني. راحت كالمجنونة تضرب الماء وتقلب العشب الطافي فوقه. على جانبي الترعة تجمع سكان القرية يحاولون اقناعها بأن ولدها لم يصبه مكروه، وسيواصلون البحث عنه في اماكن اخرى. استمرت تقلب العشب والماء حتى وهنت قوتها. خلعت الشمس ثوبها الابيض وارتدت الاخر البرتقالي وبدأت تهرول نحو الغياب...