الوطن "الخائن"!!- بقلم : محمود الشربيني
-------------------------------------------------
قبل ان تقرأ: ليست كل الاعترافات التي يدلي بها الكاتب امام قرائه " سيئه" أو "مشينة ".. بل علي العكس ربما كانت رجع صدي لما يعتمل في نفوس الناس .. فالكاتب يشبه قراؤه !!
*******************************
( 1- مقطع تمهيدي)
جاءني "صوتها" عبر الهاتف يقول لي: لماذا اراك حزينا مهموما هكذا؟ أين عبيرك الذي كنت تنثره فينا في الأيام الخوالي ؟ أين خيالك الذي كان يحلق بِنَا في الافاق، فكنت تطلعنا به علي مابداخلك من احلام وطموحات وافكار لك ولبلدك ؟ أين ملامح قوتك التي كنّا نراها متجسدة في صوتك، الذي كان "يتحسس" كل كلمة ينطقها ويبوح بها!
جاءني "صوته" من بعيد ،ايضا عبر أسلاك الهاتف يقول لي: " انت مش عاجبني .. فين راح تفاؤلك؟ ليه الحزن والهم مسيطر عليك"؟ لماذا أصبحت الدنيا سوداء في عينيك علي هذا النحو؟
**********************
(2- مقطع شخصي)
انتبهت الي قميصي" الوردي!!كان صارخ اللون!!وكأنه كان يخفي وراءه "غلالات" احزان و"هالات" سوداء،استقرت تحت العينين ، لم أرد لها ان تطل بملامحها علي الناس ، فتفضح مكنون النفس ، ومايعتمل فيها من آلام واحزان . ها انا ادرك الآن فقط سر "ميلي" الي ارتداء الملابس الملونه.. "الزاهية"- بمعني أدق"الصارخة- الصادمه"!
السر هو " الكذب"!
----------------------
نعم السر هو"الكذب" علي"عيون"الآخرين، كي يولوا وجوههم وأعينهم شطرا آخر، ووجهه اخري ، بعيدا عن جوهر محنتي .. التي اكاد اخفيها!
إذن .. فقد فشلت في اخفاء ماأردت إخفاءه .. و الكل الآن بات يعرف انني حزين ومهموم !
بماذا أرد علي صديقتي؟ وماذا أقول لصديقي؟ وكيف أشرك قرائي معي؟
( 3- مقطع أفقي)
أصبحت الحياه " معقده"!
بل أصبحت اكثر تعقيدا مما يحتمل.لقد "ثرنا" علي جبروت مبارك ليعود إلينا "الفلول" اشرس من "المغول" . "ايدنا" المجلس العسكري ف"خذلنا" و"سلمنا" للاخوان. "انتخبنا" محمد مرسي " فانتحبنا" لعام كامل او اقل قليلا.. بل ربما " ننتحب حتي الان، بسبب " اخفاق" نظام 30 يونيو..في الأخذ بايدي المصريين نحو الاحلام المستحيلة وكانت ممكنة التحقيق بالارادة والعزيمة .
لاأبالغ اذا قلت اننا نعيش علي فوهة بركان ..فازاحة نظام حكم الاخوان لاتعني اننا انتصرنا علي المخاطر وتغلبنا علي التحديات..فهاهم السلفيون يسعون ليكونوا البديل للاخوان.. ومع ان الدستور ينص علي انه لايجوز قيام احزاب علي أسس دينيه الا انهم " يتلاعبون بالالفاظ" ويدعون انهم حزب سياسي ذو مرجعيه دينيه!! كذب علني بواح ، وتعقيد للمشهد بلا حدود ، فالنظام لايستطيع " الغدر" بالسلفيين- مع انه واجب وضرورة حتميه -لأنهم كانوا ظهر الحركه التصحيحية في الثلاثين من يونيه!
السلفيون الآن يرتعون ويلعبون ويتحدون الدولة ممثله في وزارة الاوقاف، مؤكدين انه لاأحد يستطيع منعهم من اعتلاء منابر المساجد (...)وأن ينشروا في أوساط المسلمين مايحلو لهم من تغييب وترهيب باسم الدين!ويبثون الآن فتنه أشد وطأه، حينما ينزعون عن الأقباط حقهم في الشراكة مع المسلمين في هذا الوطن، وحينما يحقرون من مكانة المراه في الاسلام ويصغرون من دورها، برفضهم مشاركتها في العمليه السياسيه .. فماذا لو حصدوا يوما الاغلبيه البرلمانيه؟.
كلنا يدرك انهم ضد ال" تصاوير" وضد "الرسم "وضد "الفنون"..وضد " المرأه" وضد " الإبداع" وأنهم في قرارة أنفسهم يؤيدون " الدواعش" في التخلص من الآثار والحضارة الإنسانيه.. ومع هذا نتركهم في غيهم بلا رادع ، وبلا مواجهه !احزان حقيقية وبلا توقف وبلا نهايه!
ارايتم مدي التعقيد الذي نعيشه؟ومدي الحزن الكامن في الصدور نتيجة غياب وانحسار دور الدوله وغياب الافق السياسي لدي الحكومة!
( 4-مقطع وجودي(
التعقيد- المحزن -الذي اصاب حياتنا ليس سياسيا او دينيا فحسب ..بل "مجتمعيا" ايضا..لقد تغيرنا .. تغيرنا الي الأسوأ .. لننظر- مثلا- الي وسائل التواصل الاجتماعي الحافلة ب " التفسخ " والمعبرة عن تفكك اسري يكشف مأساتنا الإنسانيه .. فهذه " زوجه مفروسة" تنشر يومياتها علي الفيس بوك، فتفاجأ من التعليقات والتشييرات بان كل الزوجات مفروسات ينتظرن الفرصة للانقضاض علي هذه الحياه الزوجيه! وتفاجأ بان احلام النساء راحت تتعلق بكل متع الحياه الوقتيه ، فهذه سياره عصريه، وذاك " فستان مالوش حل" وتلك أحذية واجبة الاقتناء.. اما هذا "الرجل المانيكان" فقد اصبح برشاقته وامتشاق قوامه "معبود النساء"!! وبعد ان كانت النظره من المراه المتزوجه لرجل آخر محكومة بتقاليد ومحدده بالإبداع ومنحصرة بما يقوله " الاخر " من أفكار خلاقه، اذا بِنَا نلمح تغييرا " مذلا" في هذا الجانب.. وكأن من الطبيعي ان تعبر المراه عن اعجابها برجل ما في غير هذه الحدود ولو من باب العناد والإيذاء!
لننظر الي احوالنا بدقه سنجد ان حياتنا أصبحت منحصره في "هواتفنا".. انكفأنا عليها .. صادقناها ،وصدقناها وكذبنا علي أنفسنا ولم نعد نقوي علي الاستغناء عنها!ننظر فيها آناء الليل واطراف النهار.. أدهشنا ال" آي فون" فاعتبرناه "هو" الحياه ..واصبح " مخزن أسرارنا"!واعجبنا ال "جالاكسي نوت" بانواعه، فسارعنا الي اقتنائه ، و" حنونا"عليه وعاملناه بما لايليق كمجرد جهاز او سيلة اتصال لتقصير المسافات وقضاء الحاجات .. بل عاملناه ك" صديق" احيانا، و"عشيق" ثانيا و" ومخزن اسرار" ثالثا .. أوليناه اهتماما ماكان جديرا بِنَا .. نحتضنه عند الليل ، ننكفيء عليه طوال النهار وكأنه مرفأ حياتنا الذي نبوح له و عليه وفيه من دون ان نخشي " غدره"! نتبادل عليه " واتس آب".. ومن دون رويه ، قد تعجبنا بعض الكلمات،او اللمحات ، او الصور،و قد تتسلل إلينا روح فاسده في بعض اللحظات ، فتنتهي الي " مأساه"!
فرحنا بمجانية مكالماتنا عبر "الفايبر".. دون ان يهمنا انه برنامج " صهيوني" وانه قد ينقلب علينا يوما ما ، تماما كما حدث مع ( آسانج ) بطل فضيحة "وثائق ويكيليكس" الشهيره .. وانه قد يتسبب في فضح خصوصياتنا علي الملأ فجأه وبلا سابق إنذار ، فينشر أسرارنا وصورنا بلا وازع او رادع !
..ونتحدث بالفيديو عبر " سكايب" ( حتي ان بعضهم- او بعضهن- يمارس "الجنس" من خلاله صوتا وصوره!!).
نضغط "لايك" او نعمل "شير" او نكتب "بوست" او "نغرد تويته" وكله في النهايه بحسابه .. فتتسرب الحياه من بين أيدينا دون ان ندري.. وقد ندفع ثمن ال( لايك الواحدة) طلاقامؤسفا!
-------------------------------------
( مقطع خاص:)
قال لها: انت " طالق" مني!! ولكن كان اقسي ما شعر به ليس طلاقه الرجعي ، وإنما الاصعب كان شعوره بانه " يطلق أولاده"!!
و.. مقطع مصري:)
قال لي: يبقي شعوري الاقسي والأصعب علي نفسي، وسبب أكبر أحزاني وهمومي ، هو يقيني ان " وطني" هو الذي" " يخونني "..يطلقني"طلقه بائنه" من دون ان يدفع لي مستحقاتي!!
قلت: طلقتها "انت"..فكيف "طلقك" الوطن؟
قال: طلقني الوطن عندما فسد .. عندما تخربت علاقاته الانسانيه.. عندما تبدلت قيمه وعاداته وتقاليده .. عندما غابت فيه قيم الحق والحريه والخير والعدل.. عندما اعتلي منابر الدعوة قوم لا يعلون كلمة الدين الصحيح واستغلوا المنابر لمآرب شخصيه.. وأغراض سياسيه ..عندما ولعنا بالمجتمع الاستهلاكي وخلب لبنا " الصفيح فرأيناه يلمع ذهبا"..عندما تركنا التعليم لسوس التغيير الرديء يعمل فيه افعاله الشنيعة ، فأصبحت الأجيال الجديده تتربي علي الغش والتزوير وعلي ثقافة الموبايل الخ.
بعد ان قرأت: اصاب عندما قال لي :طلقني الوطن .. فأنا مثله طلقني"الوطن الخائن"عندما افسح المجال لتكبر كل الصغائر.. ويعلو كل صغير حتي انني لم أعد اجد لنفسي في وسطه مكانا يحتفي بي وبانسانيتي وبدوري وبقلبي .. وقلمي!