طيب!!!

أستاذ هيكل
.. تُمُصْ.. قصب؟

«الأستاذ».. هو اللقب الذي يطلقه الإعلاميون على الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، خاصة «الأهرامجية» نسبة الى جريدة الأهرام العريقة، و«للأستاذ» هيكل مكانة خاصة جدا في تاريخ الصحافة المصرية والعربية، شاء من شاء، وأبى من أبى، بحكم السن (94 عاما)، والخبرة (حوالي 70 عاما)، والعمل في عصور مختلفة: الملكية إبان الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، والجمهورية: محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك والمشير طنطاوي وعدلي منصور وعبدالفتاح السيسي.
«الأستاذ» عاصر ملكاً و7 رؤساء جمهورية – أمد الله في عمره – وكان قريباً من أغلبهم، ومازال يدهشنا بذاكرته الحديدية، ومعلوماته «المرسلة» حتى اليوم، ومن عجيب ما أدهشنا به في حواره مع اللامعة .. الصادحة.. لميس الحديدي في سلسلة حوارات «مصر أين.. ومصر إلى أين؟».. معلومة لم يكن من الممكن أن تمر مرور الكرام وهي أن: «إسرائيل أبلغت بموعد حرب 6 أكتوبر، وأنها اتصلت بأمريكا كي توقف الحرب، إلا أن أمريكا تعهدت بوقف الحرب، وطلبت من إسرائيل ألا تبدأ بضربة وقائية، لأن ذلك لو حدث «سيقلب» العالم العربي».
.. يا «أستاذ» هيكل.. سأفترض أن معلومة سيادتك صحيحة – وقناعتي أنها غير ذلك – فهل هذا وقت تحويل نصر العرب الوحيد إلى «مسرحية»؟ وأن كل ما قرأناه عن الخداع الاستراتيجي.. والخدع التكتيكية، كان وهماً؟
وماذا عن دور الجاسوس المزدوج، ومفاجأة العدو، وجنودنا الذين كانوا يستلقون في الشمس ظهر العاشر من رمضان وهم يمصون القصب، ويأكلون البرتقال في استرخاء، حسب تعليمات المخابرات الحربية (من ذكريات السفير محمد بسيوني) فيما سمي بـ«فرقة مص القصب»، كما جلس بعضهم (بالأمر أيضاً) على مقاهي وسط البلد وصدرت الأوامر للضباط على الجبهة بخلع الخوذة العسكرية؟!.. بل وأداء العمرة!!
وما قولك في كتاب «تاريخ إسرائيل» للمؤرخ العسكري والضابط السابق في جيش الدفاع (آهارون بريجمان) الذي ذكر في الفصل الخاص بحرب أكتوبر 73 أن «الموساد» تم خداعه بموعد الحرب عن طريق عميل مزدوج أطلق عليه (الدكتور) أو (زوج الابنة) يحتل منصبا كبيرا، ويمت بصلة قرابة للرئيس المصري (كان ناقص يقول أول حرف من اسمه أشرف مروان)!!
ويقول الكاتب «ومضى زوج الابنة في حملة مدروسة لإمداد الاسرائيليين بمعلومات مغلوطة، وحذرهم بحرب عام 72 لم تحدث، وان الحرب ستقع في 15 مايو 1973، ولم تقع، ثم التقى برئيس الموساد «زافيكا زامير» بشقة في بريطانيا يوم الجمعة 5 اكتوبر، واخبرهم ان الحرب ستقع يوم 6 اكتوبر الساعة 6 مساء فلم يصدقوه!!
أضف لذلك وثائق الخارجية الامريكية التي ضمت مراسلات السفير الامريكي في تل ابيب لواشنطن، «كينيث كيتنج» والتي حملت العديد من البرقيات التي لم تشر الى وقوع حرب وشيكة حتى الساعة 10.15 صباح يوم 6 اكتوبر الذي قيل فيه «ان الوضع اصبح خطراً».
أستاذ «هيكل».. أنا لست مؤرخا سياسيا،.. لكن حضرتك كذلك،.. ولست قريبا من دوائر صنع القرار،.. لكن حضرتك كذلك، ولست مطلعا على الوثائق السرية،.. لكن حضرتك كذلك..
لكني موقن بأن اسرائيل لم تكن لتضحي بجنودها من قتل منهم ومن أسر، وبسقوط أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وبسقوط «دموع» قادتها أمام شاشات العالم.. بينما كانت تعلم بموعد العبور وكان يمكنها تلافي كل ذلك!!
وأوقن بأننا اليوم في حاجة ماسة لاستلهام روح «نصر أكتوبر» الذي حققناه بدماء أهالينا من «خير جند الأرض» شاء من شاء.. وأبى من أبى!
«أستاذ» هيكل.. أدعو الله إذا مدّ لي العمر إلى مثل عمرك – أمده الله ومتعك بالصحة -  أن أجد الوقت للاسترخاء والتأمل.. ومص القصب.
جرب تلك المتعة.. أراحك وأراحنا الله.

حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66