طيب!!!
 
بهية.. تأكل أبناءها؟!
 
«حين تغيب الرؤى الاستشرافية والآمال الكبار في بلد تعيس، لا يبقى أمام أهله إلا الغرق في التفاصيل الحسية الصغيرة، والحكايات التافهة، والغرائبيات المحيّرة والمدهشة، والمرعبة، وبعد زمن سوف يستفيقون فيسألون أنفسهم: أين كنا في الفترة الماضية؟ وساعتها لن يجدوا إجابة.. لأنهم سيجدون أنفسهم قد عادوا للوراء ستين سنة، فيعاودون النوم مجدداً، على طريقة أهل الكهف». (يوسف زيدان).
 .. ربما أكون الكاتب الوحيد الذي انفطر قلبه حزناً عندما تلقى رسالة إلكترونية من شخصية بالغة الاحترام، بل هي على رأس قائمة شديدة القصر، أجمع الكل على احترامها، لتقول له: «أحييك على مقال اليوم ويسعدني التواصل معكم».. قرأت الاسم الموجود على الرسالة مرتين إنه هو نفسه.. «قاهر الفساد»، الرجل القدوة.. الحرّ.. الشريف، الذي رفع شعار الدفاع عن العدل أو الموت من أجل المبادئ، السابح ضد التيار الجارف في عز فورته وقمة جبروته، «أيقونة» مقاومة الفساد، ومحطم الفاسدين، ظنناه «دون كيخوته» يحمل سيفاً خشبياً ويلوح أمام طواحين الهواء، فإذا به مزيج من
  غاندي وجيفارا على تناقضهما، وقف وحيداً.. رافعاً جبهته.. زاماً شفتيه فارداً ذراعه.. باسطاً كفه ليوقف قطار الفساد الجامح.. المحمل بكل الأسماء المرعبة.. والشخوص البشعة.. ووقفنا نتفرج على هذا النموذج الغريب من البشر، نمصمص شفاهنا، ونشيح بوجوهنا حتى لا نشاهد قطار الفساد وهو يطيح بجسده.. ويكمل المسير.
 وكانت «المفاجأة» أن سمعنا جميعاً صرير كوابح قطار الفساد تصرخ، وركابه يستشيطون غضباً وهم يرونه يتوقف، وتتوقف معه أحلامهم في العمولات الضخمة، وتسلط الأضواء على صفقة بيع «عمر أفندي».. وينجح المهندس «يحيى حسين عبدالهادي» في عام 2006 في مواجهة فساد الخصخصة مقدماً أوراق اعتماده كبطل شعبي في زمن «الفساد المؤسسي» الذي لا يجرؤ على مواجهته أحد، ودفع الرجل الثمن باهظاً بعد ذلك.
 .. نعم.. كانت الرسالة الالكترونية التي وصلتني من المهندس يحيى حسين عبدالهادي بطل معركة بيع «عمر أفندي»، ومؤسس حركة «لا لبيع مصر» وعضو حركة «كفاية»، وأحد أعضاء أول مظاهرة دخلت ميدان التحرير ظهر يوم 25 يناير 2011.
 .. نعم.. هو نفسه من تقدم ببلاغ للنائب العام ضد وزير الاستثمار محمود محيي الدين، ورئيس الشركة القابضة (وقتها) هادي فهمي يتهمهما بالضغط على لجنة التقييم لتسهيل «شراء» شركة غير مصرية لأصول محلات «عمر أفندي» بمبلغ 450 مليون جنيه مصري في حين أن التقييم الحقيقي 1.3 مليار جنيه، اي بإهدار 600 مليون جنيه!.. ورغم أن الأمر انتهى ببيع «عمر أفندي» بسعر آخر، الا ان نتيجة بلاغ المهندس يحيى ظهرت يوم 7 مايو 2011 بحكم محكمة القضاء الاداري ببطلان البيع، والغاء بند التحكيم واعادة «عمر افندي» لملكية الدولة المصرية.
 سارعت بالاتصال بالرقم المرفق بالرسالة، ليرد بصوته الهادئ، ونتبادل بعض الكلمات التي تقال في مناسبات التعارف الأول، قبل أن يفاجئني بأنه ترك مصر المحروسة بعد أن بلغ سن المعاش، ولم يتم التجديد له.
 فقبل بعرض محترم من حكومة دولة عربية شقيقة ليعمل مستشارا بمجلس وزرائها!!
 هنأته.. وقمعت ألف كلمة في قلبي.
 .. يا سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.. هل ترضى أن تأكل بهية أبناءها وأنت رئيس لها؟
 هل ترضى أن تخسر مصر ضابطا شريفا.. واداريا حازما.. ووطنيا ثبت بالتجربة «المريرة» أنه يحب بلده حبا خالصا؟
 .. هل ترضى أن يفقد الشباب الذين كان يحيى حسين عبدالهادي قدوة لهم.. قدوتهم.. وسيادتك رئيسهم؟
 .. هل ترضى أن تخلو كل الحلقات المحيطة برئاسة الجمهورية.. ورئاسة الوزراء.. من مصري وطني بهذه المواصفات.. وذلك التاريخ؟
 .. ماذا أقول.. هنيئاً للدولة الشقيقة التي عرف مسؤولوها كيف يختارون مستشاريهم.. ولا عزاء للمحروسة!
 وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
 
حسام فتحي
 hossam@alwatan.com.kw
 twitter@hossamfathy66