صلت سخونة الارض قدميه العاريتين، وفاحت رائحة العرق من جسده الضخم. يرفع ذراعيه الى اعلى يسند بهما طفلا لم يتجاوز الرابعة يجلس على كتفيه. سكاكين حادة تمزق بطنه. كان من الصعب وسط هذا الزحام الذي اختلطت فيه اصوات الناس بثغاء الماعز العثور على مكان متوار عن الانظار. سأل عجوزا يلتقط انفاسه تحت ظل شجرة عن ركن يقضي فيه حاجته، فقال العجوز مشيرا بيده تجاه الغرب: اذهب وراء السوق. المكان شاسع وتجاوزه يحتاج وقتا والسكاكين مازالت تمزق بطنه. استبدت به حيرة واسعة: ماذا يفعل بهذا الصغير القابع فوق كتفيه؟ هل يجتاز به السوق ام يتركه امانة عند صالح امين؟
زاغت عيناه تبحث عن هذا الصالح الامين. هل يتركه لدى بائع الثلج والمياه وزجاجات الكوكاكولا؟ ام يتركه بصحبة العجوز المستجير بالظل من حرارة الشمس؟ ام يلجأ الى هذه المراة السمينة التي تبيع الفجل والجرجير؟
ارتاحت نفسه لبائع المسك والمسابح والسواك الذي تبدو عليه علامات التقوى والايمان. اسرع اليه. انزل الطفل امامه، اخبره انه لن يغيب طويلا. هرول مختفيا عن الانظار.
بعد نصف ساعة، عاد ابراهيم وبدت عليه علامات الراحة. لم يجد بائع المسك ولا ولده شوادفي، سأل بلهفة: اين الرجل الصالح؟ قالوا: تقصد عم زناتي بائع العطور؟
ذهب الى الناحية القبلية حيث زاوية السوق لاداء صلاة الظهر. وأين ولدي؟
اجابوا: ربما اخذه معه الى الصلاة. مضت الدقائق ثقيلة حتى عاد زناتي دون صحبة الولد، سأله ابراهيم بعنف: اين الولد؟ قال زناتي: طلبت منه البقاء هنا حتى اعود.
قال ابراهيم والشرر يتطاير من عينيه: تترك طفلا صغيرا وتطلب من البقاء؟! ثم هوى على انفه بقبضة غليظة جعلت الدم يتدفق بغزارة ثم هرول يسعى وهو يصرخ كالمجنون: اين انت يا شوادفي؟
اين انت يا ولدي؟ ظل يرددها وسط رثاء المارة لحاله حتى غابت الشمس وخلا السوق من البشر والماعز...