طيب!!!

«بنطلون».. أبو النجا

.. بعض المهن تتشابه في المؤهلات المطلوب توافرها في المشتغلين بها، فالسياسي والفنان مثلا يجب ان يتوافر فيهما  القدرة على الاقناع، والسيطرة على الانفعالات، والاستخدام الصحيح لمفردات اللغة، وكيفية مخاطبة الجماهير، واستخدام لغة الجسد وتعبيرات الوجه في توصيل الاحساس.
أحياناً ينجذب السياسيون للوقوف امام كاميرات السينما، كما فعل حمدين صباحي، وأيضا الرئيس السابق حسني مبارك الذي شارك في فيلم «وداع في الفجر» الذي عرض لأول مرة عام 1956، وظهر فيه بشخصيته الحقيقية كقائد لسرب طيران يعطي تعليمات «للبطل» كمال الشناوي،.. وطبعا اختفت النسخة الاصلية للفيلم من أرشيف التلفزيون الرسمي منذ تولي مبارك منصب نائب الرئيس!!
أما الملك عبدالله الثاني ملك الأردن فظهر في مشهد صامت لم يتعد 5 ثوان كأحد أفراد طاقم مركبة فضائية في مسلسل (STAR TREK) الشهير، وكان ذلك قبل تتويجه ملكاً بالطبع، وانقسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض، لكن الحدث لم يرتق لمستوى الأزمة مطلقاً.
.. وحتى قبل عامين عندما ظهرت ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية وهي تسير إلى جانب بطل جيمس بوند الأخير البريطاني دانييل كريج في مشهد تمثيلي تم استخدامه بعد ذلك في افتتاح الألعاب الأوليمبية 2012، كما لو كانت الملكة تقفز مع جيمس بوند من طائرة هليوكوبتر!!.. ولم تخرج تظاهرات في الشوارع.
.. وكثير من الفنانين استخدموا تأثيرهم في الناس ودخلوا عالم السياسة من أوسع أبوابه، وأشهرهم الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، وحاكم كاليفورنيا السابق أرنولد شوارزينيغر، وفي مصر كانت فايدة كامل وحمدي أحمد اللذان فازا بعضوية مجلس الشعب و«غردا» تحت قبة «سيد قراره»..
ومع «هبوب» الربيع العربي، والتحولات «الدرامية» التي صاحبته اكتشفنا مواهب سياسية «فذة» لدى بعض الفنانين مثل طيبة الذكر عفاف شعيب صاحبة أشهر إفيه عن البيتزا والريش!! وطلعت زكريا والمخرج خالد يوسف المثير للجدل،.. والفنانين المثقفين خالد الصاوي ونبيل الحلفاوي وغيرهم… ومرت الأمور بسلام حتى وقع المحظور قبل ايام.. وتجرأ خالد ابو النجا في مقطع بث على «الملعون» موقع يوتيوب فاضح الأسرار وكاشف الأشرار، وقال: «أنا آسف جداً إذا الرئيس مش قادر يقوم بده (يقصد القضاء على الإرهاب).. فامش.. ارحل.. هنقولها قريب تاني».
.. وانفتحت طاقات جهنم في وجه الفنان المثقف الهادئ.. الذي نطق كفرا في رأي «الزملاء» الأعزاء سدنة برامج «التوك شو»، منهم من اتهم ابو النجا بالادعاء والكذب، وآخر طالبه بالصمت وعدم التحدث في السياسة!!.. وثالث «زغرله» مبكّتا: «شوف لك حاجة تانية اتكلم فيها».. ورابع «عايره» بأنه لم يدخل الجيش عشان «شُرّك»!!.. وخامس مصمص شفتيه وقال: «آدي نوعيات البشر اللي عايشين معانا».
ومحام شهير سارع بتقديم بلاغ بالخيانة العظمى ضده، أما خطيب مسجد عمر مكرم «الشيخ الإعلامي» مظهر شاهين فنصحه بأن «إذا كان مش عاجبك الرئيس.. اتفضل روح العراق او سورية، هناك مفيش جيش ولا شرطة ولا حد «هيزهأك».. بس خد بالك من بنطلونك، ومراتك وأختك لو كانوا معاك»!!.. انتهت موعظة الشيخ الجليل خطيب الثورة!
تعلمون أنني لا أوافق الفنان خالد ابو النجا في توقعه بمطالبتنا برحيل «السيسي».. ولكن أين حقه في أن يقول رأيه «الشخصي» وهو آمن؟ ودون أن يتهم بالعمالة «والخيانة العظمى» كما حدث.
وأين مقولة: «أختلف معك في الرأي ولكني أدفع حياتي ثمناً لأن تقول رأيك»؟
.. وأين أدب الخلاف.. وأدب الحوار.. وأدب الحديث.. الذي وصل إلى أن يخلي باله من بنطلونه»!!
أرجو من «الشرفاء» المدافعين عن الرئيس المنتخب.. و«الوطنيين» المدافعين عن جيشنا خير أجناد الأرض.. و«المصريين» جميعاً أن نعرف كيف نختلف.. وكيف نستخدم مفردات الكلم في مواضعها، فذلك من أولى علامات التحضر والرقي.
.. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.

حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66