"الداهيه".. الذي خدعه الجميع !بقلم : محمود الشربيني
-------------------------------------------------------------------
قبل ان تقرأ:" احنا بنكدب الكدبه ونسدقها".. نعشق الاساطير .. ونتيه اعجابا بحكايات شهرزاد وشهريار والف ليله وليله.. واذا لم نصدق ، فلدينا اعلام " متمكن" يسوق السياسي المخدوع علي انه "داهيه" والمحام ال " نص كم " علي انه " دولي"..وصنوه "المتلون علي كل لون يا باطيسطه" يمكن بتوظيف وسامته وخواتمه، وانسياله وسلسلته الشهيره من مناضلي حقوق الانسان ، وكذا فالطبيب البائع لاعضاء مريضه يمكن كذلك تسويقه بيسر وسهوله علي انه احد ملائكة الرحمه!
*********************
كيف نضفي علي الناس ماليس فيهم من صفات؟ كيف يمكننا ان نرسم لهم صوره مغايره لحقيقتهم؟ فمثلا يدهشك الكثيرون بالادعاء بانه "السادات" سياسي "داهيه "..خدع الجميع.. ووضع خططا للخداع الاستراتيجي " متخرش الميه".. مع انها "خرت" صريعه في وقت مبكر جدا..عندما كشف للاميركان عبر القنوات السريه،عن نواياه ، بان " حرب اكتوبر" هي آخر الحروب ، بينما هدير المدافع لايزال يدوي علي الجبهه!فاذا اضفنا الي ذلك طرده للخبراء الروس " مجانا - بتعبير كيسنجر-فانه يكون طمأنهم - وبلامقابل ايضا- الي زوال سياسات ومناورات عبد الناصر ايام الحرب البارده.. ورغم ذلك نسمي هذا " خداع استراتيجي!!
وليس هذا وحسب.. انهم يسمونه - ويسوقونه دونما تفكير- بطلا للحرب والسلام!مع انه لم يحارب وحده ، بل لم يحارب " الا بالعافيه ".. وبعد ان علا صوت الحركه الوطنيه، وقاد توفيق الحكيم " ثورة الادباء"عام 1972، وغلا الدم المصري في العروق يطلب ثارا من العدو الصهيوني، ويطلب مصداقية لشعار " عام الحسم" الذي كان مجرد تسويق لكلام " هلامي".. فهذا العام كنا ننتظره منذ عام 1970 وابدا لا يجيء.. ومع هذا ادخلنا هذا الكلام الهلامي ضمن دائرة " التسويق"ودفع البعض به دليلا علي "فقه الخداع الاستراتيجي للرجل ، الذي ننتظر الافراج عن وثائقنا العسكريه السريه يوما حتي نجلو حقيقته! ( تري ايجيء هذا اليوم- الحلم - في حياتنا ام في حياة الاجيال البعيده منا، والتي من كثرة احلامها المؤجله لم تعد قادرة علي الحلم؟
كان هذا دوما موقفي منه ! لم اضبط نفسي يوما مؤيدا له .. وكرهت اليوم الذي وجدت فيه من يتصدرون المشهد في قريتي ، عندما قام بمايسميه زيارته التاريخيه الي القدس،وهم يحشرون الانفار الماجورين حشرا داخل اتوبيسات جلبوها لاستقباله والتهليل له،والتي استاجروها باموال الشعب،او لعلهم تخابثوا مع شركات القطاع العام المملوكه ايضا للشعب،مثل شركات الادويه والبتروكيماويات ومصانع النسيج والنقل العام لاتمام مهمتهم العاريه من كل نبل ، البعيده عن كل كرامه، الخاليه من اي معني للوطنيه.. وهل في التزييف والتزوير والكذب علي الحاكم ونفاقه وتغييبه عن الواقع اي معني من معاني الوطنيه؟
في انتظار الافراج عن الوثائق السريه، وحلول يوم ماطر بالامل ومفعم بالحلم النبيل ، بان يكون لدينا يوما قانونا محترما يتيح للمواطن المصري حرية الحصول علي المعلومات الذي ينعم به المواطن الاميركي، " اللي مش احسن منك او مني"، دعنا نقرأ معا وثائق مرحلته ،المفرج عنها اصلا، وهي اعداد" الاهرام" الصادره في الفتره مابين يناير وابريل ومايو 1980 ،ايام عبد الله عبد الباري وابراهيم نافع ، وتحت يدي صوره ضوئيه لاحد الاعداد، يحمل مانشيتات وصورا " مشينه".. وهذا اقل ماتوصف به..العنوان الرئيسي بعرض 8 اعمده يقول: السادات للثوار الافغان : سنقف معكم بكل مافي الاسلام من قوه. يليه عنوان علي ثلاث اعمده يقول:الرئيس يدعو الثوار الي تشكيل حكومه مؤقته والابتعاد عن الخلافات العربيه والاسلاميه. العنوان الثالث: زعماء المجاهدين :،السادات هو الزعيم الوحيدالذي تعهد بتقديم المساعدات لشعب افغانستان . العنوان الرابع والذي تلتصق به صوره بعرض ثلاث اعمده للرئيس السادات وهو يستقبل زعيما من المقاتلين الافغان ويرحب به بحراره : نداء الي دول العالم لمساعدة المجاهدين!
" ام المخادعات "التي مورست ضد السادات - كما نقلها هيكل في كتابه " الزمن الامريكي من نيويورك الي كابل"( 2002 )، واكدها بعد ذلك ايضا كتاب روبرت دريفوس " لعبة الشيطان " الصادر في 2005 ، هي خدعة برجنسكي مستشار كارتر للامن القومي الذي خلف الداهيه كيسنجر( وكان مستشارا لنيكسون) ،وكلاهما ( هنري وزبجنيو ) خدعا السادات( الداهيه!!)الاول خدعه بايهامه بانه ينبغي ان يكون في صدارة التحالف والجهاد الاسلامي ضد الغزو الروسي الالحادي في افغانستان ، فهو رئيس اكبر دوله مسلمه وهي بلد الازهر وموطن جماعة الاخوان المسلمين التي تاثرت بها جماعات اسلاميه عامله في باكستان وافغانستان ،كما انه لا يجب ترك الخميني يحتكر شعارات الاسلام، فضلا عن ان دخول السادات يعطيه نفوذا في المنطقه ضد قوي عربيه تناوئ "سلامه" المبرم مع اسرائيل!!وشدد" المخادع " علي ضرورة ان يعي " المخدوع" ان الحرب ضد الالحاد الروسي يجب ان تترك ليخوضها المسلمون ، واهم من ذلك يتكفلون بتمويلها!.. كانت خطته ان تكون هناك " وكاله اسلاميه "معتمده تحمل المسئوليه علي الارض وتدفع تكاليف العمل ايضا"!
الي هذا الحد كان يمكن خداع الرجل " الداهيه"!لقد اقتادوه الي "الفخ".. واوهموه بانه يتوجب عليه محاربة الالحاد والشيوعيه ،والمشاركه مع الحركات الاسلاميه التي ترتبط جذريا بالاميركيين منذ الخمسينيات لهذا الهدف المقدس،، وبعد ان قضي الاميركيين وطرهم منه تركوه لقمة سائغه لهذه الجماعات ، واليوم تقود اميركا المنطقه كلها الي " فخ" من نوع آخر ، للقضاء علي الوحوش " الاسلاميه( كذبا وزورا) وباموالنا نحن ،وباجسادنا وارواحنا نحن! وهكذا يتناسي عشاق السادات عمدا ان " الداعشيين والنصرويين والقاعديين انما هم ثمار تحالف الاميركي - الاسلامي ، وان السادات كان احد التروس في ماكينات الطحن الاميركي الاعلاميه، والسياسيه والعسكريه،والتي صنعت لمواجهة الاشتراكيه العلميه ( الالحاديه)،والادهي من هذا كله انهم يتناسون انه من رحم الاخوان المسلمين الذين يشعلون النار والدمار في مصر اليوم خرجت كل جماعات القتل بدم بارد جميعا والتي نراها اليوم من طالبان والقاعده الي داعش والنصره !
لقد نقل برجنسكي للسادات خلال لقائه به يوم 3 يناير 1980 رساله من كارتر بان مصر عليها ان تقوم بدور في هذا الجهاد الاسلامي، ليواجه العرب المناوئين،و ليرد بشده علي متهميه بالتفريط في فلسطين ،واغرائه بالاستفاده من " اجر الجهاد وثوابه"، عندما تفتح مصر مخازنها لتبيع للمجاهدين الاسلحه التي تنتجها وكلها طرز روسيه !وفي ابريل من نفس العام كان السادات يشحذ هممه ويستعين بماكيناته الدعائيه"الاهرام" لنصرة الافغان وقيادة الجهاد الاسلامي في افغانستان.. وبدا يلتقي بملالي طالبان.. ويرسل اليهم مافي خزائنه من اسلحه بعضها نقل اليهم علي "ظهور الحمير"!
اذا كان كيسنجر خدع السادات بمعزوفة انه "بطل للسلام" وعليه ان يقوم بخطوات فذه في هذا المسار، فضلا عن قناعته بخدعة ان 99 بالمائه من اوراق اللعبه " اميركيه"، فانه لا احد ينسي ان السادات خدع ايضا من كارتر عندما اوهمه بانه اذا وقع كامب ديفيد فانه بذلك يساعده في الانتخابات الاميركيه، وان نجاحه يعني ان الطريق مفتوحه لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي، ومن هنا قام فعلا بتوقيعها "، ولم لا فقد استجاب من قبل لكيسنجر في مفاوضات فض الاشتباك الاول عندما اعطي الامن لاسرائيل علي حساب امن مصر ،والتي بسببها انهمرت دموع المشير الجمسي الشهيره.
بعد ان قرأت:رغم كل هذا الخداع فان عشاق السادات يسوقونه لنا علي انه"داهية عصره"! والسؤال الان هو: هل هناك من خداع اكثر من خداع الجماعات الاسلاميه له ، فقد تحالفوا معه ضد الناصريين والماركسيين ، لاستبدال اسطورة السادات بعبد الناصر .. ثم مالبثوا ان اسقطوه مضرجا في دمائه عند منصة العرض العسكري!