44 عاما
 
علي رحيل عبد الناصر  بقلم :محمود الشربيني
-------------/--------------------------------
قبل ان تقرأ: 
من بين ابرز ايجابيات ثورة 25 يناير 2011 انها اعادت الاعتبار الكلي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر .. قبل الثوره كانت صور عبد الناصر وبعض شعاراته وبعض مقتطفات من خطبه تذاع في المناسبات السياسيه، والتظاهرات التي لم تنقطع في مصر خلال السنوات الاخيره من حكم " مبارك".. لكن هذا كله كان علي نطاق محدود ، واظن انه كان حاله ثقافيه قبل ان يكون حاله سياسيه عامه.
---------------------------
 -  المعني الذي اقصده هنا هو ان الذين كانوا يهتمون بتلك الشعارات ويحتفون بها كانوا" نخبه" .. وكان رفعهم لتلك الشعارات ايضا انتقائيا .. فلم تكن تلك الشعارات المنتقاه تعبر عما هو اكثر من التاكيد علي ان مصر ترفض العيش في الجلباب الاميركي،وانها  دوله عربيه يبدأامنها القومي  من سوريا وليس من انكفائها علي حدودها الشرقيه في سيناء...وانهاايضا الي جانب انتماءها العربي لها انتماء افريقي ،وذلك بعد ان تجاهل " مبارك" هذا الواقع الجعرافي، وحصر مصر في لندن وباريس.
كانت الشعارات ايضا تبرز توجهات القرار السياسي الوطنيه ،في دعم الزراعه واستصلاح الاراضي وزيادة الرقعه الزراعيه، وتوفير الامن المائي ، وفي الاهتمام بالتعليم وتربية الاجيال المسلحه بالعلم والتربيه معا  .. بجانب الاهتمام بالتصنيع، وفي هذا الاطار بدا انجاز مصر الناصريه واضحا تماما ،فقد كانت حركة التصنيع في هذا العصر لافته ومثيره لقلق الاستعمار الاوربي والاميركي وايضا للعدو الصهيوني،الذي عمل بجهد جبار علي متابعة ملف التصنيع الحربي المصري بصفة خاصه، والذي استنفر الجهود الاستخباراتيه المحمومه للعدو لايقاف برنامج التصنيع الصاروخي والنووي ، وارهاب العلماء الالمان الذين كانوا يشاركون في البرنامج .. والذي سار بخطوات بطيئه في مجال صناعة الصواريخ ، وان لم تتاثر بنفس القدر الصناعات الحربيه الاخري والتي كانت نواة جباره  لهذا النوع من الصناعات ، التي تلبي احتياجاتنا الحاليه .   
دخلت مصر عصر التصنيع في العهد الناصري ، اقبلت مصر علي صناعات  لم تكن معروفه سلفا، مثل الغزل والنسيج ( وكانت صناعه رائده !)وصناعات الحديث والصلب والاسمده والكيماويات وصناعة الالمنيوم والاسمنت والصناعات البتروليه وغيرها من الصناعات الحيويه .
لم تكن النخبه التي ترفع شعارات تعيد الاعتبار لمصر الناصريه تتناول شعارات نادي بها عبد الناصر مثل الحريه السياسيه والديمقراطيه وحقوق الانسان .. فهذا الملف المعقد مازال محل جدل بين الباحثين ،فهناك من يعطي الحريه والديمقراطيه علي النسق الاوربي اولويه علي الحريه من منظور اجتماعي ( ناصري)،بمعني ان الحريه هي حرية الحصول علي الخبز والخدمات الاساسيه من تعليم وصحه وكساء ونحوذلك مما اهتمت به ثورة يوليو الناصريه ، فقد كانت التعدديه السياسيه والحزبيه معطله او بمعني اخر كانت رؤية عبد الناصر ان احتواء التيارات السياسيه يجب ان يكون من خلال وعاء سياسي واحد هو الاتحاد الاشتراكي ، الذي " يلم" شمل  الجميع في داخله ، وتكون المعارضه وتمايز الفصائل من خلاله .. لم يكن لهذا التوجه الناصري حضورا باي معني في شعارات النخبه الرافضه لفساد نظام مبارك والمتطلعه الي مصر جديده ديمقراطيه تؤمن بتعدديه سياسيه حقيقيه وتؤمن بتداول السلطه ، وعبر صناديق الانتخابات . لم تكن شعارات المستبد العادل التي مثلها الزعيم عبد الناصر مقبوله في وجدان النخبه .. او حتي الجماهير العاديه المتطلعه لكسر ديكتاورية حكم حسني مبارك الذي استمرأ تزوير وتزييف الاراده الشعبيه وتحاهلها تماما  والحكم بسياسات " امن الدوله" واللجوء الي تشهير وتعذيب المعارضين علي نحو مريع ، لامجال لتعداد اشكاله هنا ،بعد ان افاضت فيه الصحافه المصريه ووسائل الاعلام في اعقاب سقوط نظام مبارك .
اذكر ان مجلة روزا اليوسف برئاسة تحرير زميلنا اسامه سلامه اختارت ان تعبر عن ذلك بملف عن عن عبد الناصر ، وقت ان كانت مصر تبحث عن زعامه جديده لها ، بعد "فوران يناير" وما تخبطت فيه مصر من سياسات زمن حكم " المجلس العسكري الطنطاوي - العناني" والتي ادت الي " انبهام" الصوره وظهور غيوم علي الساحه السياسه جعلتنا لانعرف مالذي نريد .. هل نريد زعيما كعبد الناصر .. جنرالا يحكم بطريقة المستبد العادل ، الذي روج الناصريون الي انه النموذج الامثل الذي تحتاجه مصر علي مر العصور.. او نموذج الحاكم الديمقراطي الذي يراس( ولا اقول يملك) ولا يحكم وتكون السياده للشعب ، الذي يحكم نفسه عبر مجلس الشعب فيختار لنفسه ممثلين ، يشكل الاغلبيه منهم الحزب الفائز في الانتخابات ،وتنتقل السلطه الي رئيس وزراء هو المسئول امام الشعب وامام الرئيس .. اختارت روزا اليوسف ان ترفض منطق العوده الي حكم الجنرال المستبد العادل .. وكان عنوانها عن عبد الناصر هو" نحبه ولانريده" كان العنوان كاشفا ومعبرا بدرجه مدهشه .. فالمصريون فعلا يحبون عبد الناصر .. يحبون كل ماتركه لهم من قيم ومضامين وطنيه وكل ماتركه لهم من انجازات هائله ، كان خروج الناس العظيم في فوران يناير معبرا عنها، وهو البحث عن العداله الاجتماعيه والكرامه الانسانيه، وفوق هذا وذاك" العيش"..ويقينا فان هذه المضامين هي التي كانت تميز العصر الناصري ، بصرف النظر عن ان جزءا من الكرامه الانسانيه يرتبط باحترام حقوق الانسان ورفض التعذيب والمعتقلات والاعتقال بدون محاكمه ووفقا لقوانين مطاطه كالمعاداه للثوره والتآمر علي الحكم ونحو ذلك .. هذه المضامين التي افتقرنا اليها وحرمنا منها في عهد المخلوع حسني مبارك هي التي خرج الناس للمطالبه بها في فوران يناير .. ومن هنا اعيد الاعتبار لعصر ناصر ومن هنا تبدي هذا الحب  له. 
بعد ان قرات : "نحبه ولا نريده" لاتعني رفضا لعبد الناصر بل اعادة الاعتبار لعصره ولكن في الوقت نفسه تعبر عن الامل بعبد الناصر بثوب جديد ،يعيد لمصر "العداله الاجتماعيه" ويوفر لهم " العيش" ويوفر لهم - بالمفهوم الشامل للكلمه- الحريه والديمقراطيه واحترام حقوق الانسان والتي لم تتوافر في العهد الناصري.