جمهورية العك..!!

 

بقلم: محمد يسري موافي

من الأخبار المفرحة التي مرت بمصر خلال الأيام القليلة التي مضت هو خبر إقالة حكومة د. حازم الببلاوي والتي طالبنا مراراً وتكراراً بإقالتها لما سببته من كوارث جراء سياسة الأيدي المرتعشة وردود الأفعال البطيئة وعشوائية القرارات.

ورغم اللغط الذي صاحب تكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة واختياره لبعض الوجوه الإخوانية منها وزيرة القوى العاملة ووزير الاتصالات، إلا أن البدايات تبشر بالخير في ظل وجود حركة وديناميكية في الأداء والعمل في إطار من الأولويات خلال هذه المرحلة الدقيقة ونتمنى التوفيق والنجاح وتحقيق إنجازات ملموسة لرجل الشارع العادي.

لكنني عندما تأملت ما يحدث في مصر صعقت وأحبطت من الكم الهائل والمركب والمعقد من المشكلات التي نعيش فيها جراء أخطاء الأنظمة السابقة ممزوجة بأخطائنا الفردية والجماعية، أضف إلى ذلك ما حدث منذ اندلاع ثورات (الفوضى العربية) مما جعلني أشفق على أي رئيس سيأتي لأن هذه المشكلات تحتاج إلى فرد خارق خاصة أننا في دول العالم الثالث نعتمد على سياسة الفرد الواحد الذي يتحمل وحده مسؤولية الجميع.

وفي سرد مبسط لمشاكلنا أعرضها بإيجاز عسى الله أن يوفق الرئيس القادم في إنجاز بعض منها!!!

خارجياً... العمل على إعادة العلاقات المتوازنة مع دول العالم من منطلق أن مصر تعرف قدرها وأن تقوم العلاقات على أساس من الندية والعلاقات المتبادلة مع كافة دول العالم دون استثناء، أضف إلى ذلك استعادة مكانة مصر كمحور مهم على المستوى الدولي.

إقليمياً ... ضرورة الدخول في تحالفات إقليمية قوية مع الدول التي يشهد اقتصادها تقدماً كبيراً مثل الصين – البرازيل – تركيا – كوريا الشمالية وغيرها إضافة إلى حل مشكلة سد النهضة بكافة السبل والوسائل وفي أسرع وقت مع التفكير في البديل لتوفير المياه، وإحياء دور مصر في دول عدم الانحياز والمؤسسات الإفريقية والآسيوية وحوض البحر المتوسط وغيرها.

عربياً ... رأب الصدع العربي من جراء الكوارث التي لحقت به جراء خطط التقسيم التي أجريت والعمل بكل جد على إجهاض المخطط الصهيوأمريكي لتقسيم بقية الدول العربية، وإحياء دور مصر في الملف الفلسطيني والتواجد القوي والحاسم في الملفين العراقي والسوري، وضرورة الإعلان عن تحالف عسكري واقتصادي عربي مع دول الخليج، واحتواء الدول العربية.

داخلياً ... هناك كم هائل من المشكلات المعقدة والمركبة أتمنى أن يتم حصرها ومواجهة تلك المشكلات الداخلية بكل حزم وشدة وحسم مع الوضع في الاعتبار الثلاث سنوات الماضية من الفوضى التي عاشتها مصر، وما أحدث ذلك من تغيير في العقلية المصرية التي تعشق الفوضى، واستغلال استعداد الشعب على إحداث تغييراً جذرياً في حياته ... وأعتقد أن الشئ الوحيد الذي ينتظره الشعب المصري من رئيسه الجديد هو البحث عن عدد من المشروعات القومية كي يلتف الشعب من خلالها حول حاكمه.

أمنياً ... إعادة الأمن والأمان بكافة السبل وعلى وجه السرعة إلى الشارع المصري مع الوضعه في الاعتبار أن كرامة المواطن المصري خط أحمر لا يمكن تجاوزه، ويحدث ذلك في إعادة تأهيل الجهاز الأمني وأفراده تأهيلاً جذرياً للمحافظة على حقوق المواطن، وذلك لاستعادة الثقة بين الأمن ورجل الشعب العادي، وتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير وأننا نعيش في دولة القانون والعدل.

اقتصادياً ... الاسراع في إنشاء محاور اقتصادية هامة كمحور قناة السويس وشرق التفريعة إضافة إلى سيناء ومطروح وشمال وجنوب الصعيد لإيجاد فرص عمل لهذه الأماكن لسكان هذه المناطق وإقامة صناعات ثقيلة ومتوسطة وصغيرة تشارك فيها الحكومة والقطاع الخاص وصغار المستثمرين، كذلك ضرورة تنوع مصادر الدخل.

تنموياً ... إحياء مشروع ممر التنمية واعتباره مشروعاً قومياً لأنه المشروع الوحيد الذي سيعمل على حل الكثير من المشكلات وعلى رأسها الكثافة السكانية ويتم ذلك عن طريق إنشاء شركة مساهة مصرية يقسم جزء من هذه الأسهم على أفراد الشعب المصري وبقية الأسهم تطرح للاكتتاب مع تحديد رأسمال هذه الشركة لضمان تنفيذ المشروع في اسرع وقت ممكن.

ثقافياً ... اعتماد برامج عمل ثقافية لرفع ثقافة الشعب المصري عن طريق التوسع في إقامة المسارح والمكتبات العامة التابعة للدولة واحياء المشروع القومي لمحو الأمية وألا يكون محو الأمية قاصراً على تعليم القراءة والكتابة بل تعليم علوم الكمبيوتر وتشجيع الشباب للمشاركة في هذا المشروع كذلك تشجيع رجال الأعمال والقطاع الخاص للمساهمة في هذه المشروعات الوطنية.

اجتماعياً ... وضع حلول سريعة وعاجلة لحل مشكلات ارتفاع معدلات الطلاق وظاهرة أطفال الشوارع والعشوائيات مع توفير البديل للاحياء الأكثر عشوائية وبسط سيطرة الدولة على مختلف هذه المناطق مع توفير الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية والاجتماعية لسكانها كحل مؤقت، أضف إلى ذلك إقامة مشروع قومي للتكافل الاجتماعي وزيادة المعاشات وأن تتسع مظلة التأمين الصحي لجميع المصريين مع توفير المستشفيات، وضرورة إحياء مشروع الأسر المنتجة والذي نقلته الصين عن مصر وساهم في التقدم الرهيب الذي تشهده الصين حالياً، أضف إلى ذلك مواجهة الفساد المستشري في كل مناح يالحياة من واسطة ومحسوبية ورشوة عن طريق تطوير جذري للهيكل الإداري للدولة وتبسيط الإجراءات وتطوير الخدمات المقدمة للشعب.

تعليمياً ... إعادة النظر في مخرجات التعليم لتتلائم مع سوق العمل وتبني استراتيجية حديثة ومرنة بعيداً عن العقول العقيمة التي تعمل في وزارة التعليم والتعليم العالي، حيث أن التعليم هو أثاث النهضة وإعادة إحياء مشروع المدارس القومية، إضافة إلى التوجه وبقوة نحو التعليم الفني الصناعي والزراعي

صناعياً ... رعاية الدولة لعمال المصانع الرعاية الكاملة خاصة في المصانع التي تم خصخصتها وإنشاء مصانع للسلع المعمرة والاستراتيجية والمواد التي تساعد في دعم الاقتصاد بطريقة الشركات المساهمة لضمان حقوق العمال وإعادة تشغيل وتطوير المصانع التابعة للحكومة وإنشاء مناطق صناعية في الحزام الحدودي لكل محافظة وتوفير مصادر الطاقة عن طريق إنشاء محطات نووية لتوليد الطاقة في قطاعات الدولة.

تجارياً ... تشجيع الأفراد والشركات على تطوير انتاجهم ووضع مواصفات خاصة للإنتاج للحد من ظاهرة الاستيراد العشوائية التي تحرم الكثير من سوق العمل ويستفاد منها التجار فقط وتعمل على ندرة العملة الأجنبية من الأسواق، أضف إلى ذلك مرونة إجراءات التصدير للخارج وإقامة منطقة حرة عالمية في منطقة خليج السويس وإعادة إحياء المنطقة الحرة في بورسعيد ودمياط.

زراعياً ... توزيع الأراضي الزراعية على شباب الخريجين والأسر والتوسع في استصلاح الأراضي خاصة فيا لمنطقة الغربية جنوب العلمين وفي وادي النطرون مع التشجيع لإقامة شركات زراعية كبرى وتوفير مصادر الري عن طريق التوسع في إقامة محطات لتحلية مياه البحر الأحمر والمتوسط، وتطوير مشروع توشكى وزيادة الخدمات.

وهناك مشاكل إعلامية وعلمية وشبابية وإدارية هائلة وكثيرة لا يتسع المقال لسردها، لكن الحاجة باتت ملحة لتبني مثل هذه المشروعات القومية الجبارة في كل المجالات مع الوضع في الاعتبار أن كلمة السر لانجاح هذه المشروعات هي (الشعب) من خلال مشاركته وشراكته في هذه المشروعات الوطنية.

إن المطلوب من رئيس مصر القادم أن ينفض غبار سنوات مضت من الفساد والفوضى والعشوائية وسوء إدارة وعدم وجود مشروعات قومية طموحة، أو استراتيجيات للدولة ( قصيرة – متوسطة – بعيدة) المدى في كافة الميادين.

الرئيس القادم سيفشل فشلاً ذريعاً إذا لم يطبق في سياسته مبادئ الشفافية المطلقة والصراحة والمصارحة والمكاشفة وعدم المركزية في قراراته والتقارب مع شعبه ومساواة فئات الشعب ببعضها، ويجب أن يكون هدفه تحويل بلادنا من جمهورية للعك إلى جمهورية عدل ونظام وقانون. فهل هناك من يستطيع فعل ذلك ؟؟!!!