أمريكا التي لا نعرفها.
لا يمكن ان يمر اي حادث بمصر او بالوطن العربي دون ان نتوقف قليلا لنفكر في ردة الفعل الغربية بصفة عامة والرأي الامريكي علي وجه الخصوص.فما يحدث بالشرق الأوسط دائماً ما يستحوذ علي اهتمام القادة في أروقة البيت الأبيض . ولن نضحك علي أنفسنا بالقول ان ذلك مرده الي قوة الدول الشرق أوسطية ولكن يعود ذلك الي أسباب اخري عديدة أهمها تركز الثروات في هذا الجزء من العالم مما يرشحها لتكون علي قائمة المصادر اللوجستية للغرب. اعتقدنا لوقت طويل -او ربما توهمنا-ان التدخل الامريكي في شؤن البلاد العربية راجعاً الي مراعاتها لحقوق الانسان او لرغبتها في نشر السلام وثقافة التعايش بين الدول. هذه هي العبارات التي كانت تتشدق بها الإدارات الامريكية المتعاقبة علي مر العصور.
هذه هي أمريكا التي نعرفها او التي أقنعنا أنفسنا اننا نعرفها . تتوالي الأحداث اليوم لتثبت زيف كل هذه الادعاءات والبارافانات التي كان يقف ورائها القادة الأمريكان. ولنأخذ حادث كنيسة الوراق الأخير كمثال علي ذلك. فقد اعتدنا ان اي حادث يضر بالإخوة المسيحيين علي ارض مصر يلاقي موجات عارمة من الغضب بالشوارع والمؤسسات الامريكية. كما تخرج وسائل الاعلام مندده بالانتهاكات التي تحدث للأقليّات في مصر. كانت أمريكا تنتفض عن بكرة ابيها لحرق كنيسة او مقتل مسيحي او اختفاء فتاة مسيحية. المظاهرات كانت تجوب الشوارع والجامعات وفي نفس الوقت يلوح القادة بالعقوبات وقطع المعونات.اليوم لم تذرف الدموع الامريكية علي مريم التي قتلت برصاص الغدر وهي في كامل زينتها وفرحتها بمرافقة العروس.كثيرا من المواطنين الأمريكان ربما لم يسمعوا عن الحادث من الأساس .نحن لا نطالب هنا بالتدخل الامريكي بالطبع ولكننا نتعجب من هذا الصمت الغير مبرر.فهل تمول أمريكا للإرهاب في مصر؟ هل سعيها لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد دفعها لترك يد الاخوان تعيث فسادا بالأرض؟ هل تنوي احياء التجربة الأفغانية وإعادة إنتاجها علي ارض المحروسة؟ ولم لا؟
ان جميع الحيثيات التي تغلف الأحداث من حولنا لا يمكن تفسيرها الا بذلك. فأمريكا التي خرج رئيسها مهددا لمبارك بضرورة التنحي الان وليس غداً علي حد تعبيره لم تسلك الطريقة نفسها مع حليفها الإخواني عندما تظاهر الشعب ضده في نهاية يونيو الفائت. أمريكا التي علقت مساعدتها لمصر مغامرة بأحد اهم بنود اتفاقية السلام قصدت كسر الظهر المصري بعد الإطاحة بحليفها. هي نفسها أمريكا التي ألغت مناورات النجم الساطع وإلغاء إمداد مصر بطائرات اف16.كل ذلك يحدث لانه مع سقوط الاخوان فقد الأمريكان الحليف الجديد القديم الذي جاء بأجندة الشرق الأوسط الجديد. الحلم الامريكي بسايكس بيكو جديد قضي عليه الثوار عندما انهار المارد الإخواني بسرعة لم يتوقعها احد . اكتشف الأمريكان ان الاخوان لم يكونوا علي قدر المسؤولية الملقاة علي عاتقهم كما اكتشفوا ان الأداة الإخوانية ليست بنفس مهارة تنظيم القاعدة التي خاصتهم من السوفيت في المنطقة ومن ثم قرروا الانتقام من الشعب.كل ذلك من حق القوة العظمي الأولي بالعالم فلا يمكن ان نلومها لكن العتاب هنا هو أين ذهبت الشعارات البراقة مثل احترام إرادة الشعوب؟ هل تبدل المصالح وتغير الحلفاء هو السبب؟ هذا الامر نثق تماماً من صحته ولذا بات علي الادارة الامريكية البحث عن حجج وشعارات جديدة . فلن تقتنع الشعوب العربية بعد ذلك ببريق شعاراتها القديمة وأصدق دليل علي ذلك رفض المملكة العربية السعودية مقعدها للدول الغير دائمة بمجلس الأمن .ذلك المجلس الذي كان يعتبر حلما للعديد من الدول العربية لوقت قريب.
أيمن الرفاعي