وعادت جماعة الإخوان المسلمين للمرة الثالثة فى تاريخها الذى إستمر حوالى
85 عاما الى جحورها بعد أن قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظرها ،
وجميع أنشطتها، والتحفظ على ممتلكاتها , وأموالها والمقرات التابعة لها ,
ويبدوا أنها قد إعتادت السقوط مرة تلو الأخرى , فكل مرة ترتفع ليكون لها
شأن كبير على الساحة السياسية حتى تصطدم بالسلطة الحاكمة نتيجة سياساتها
وأفكارها الخاطئة , فتسقط ويتم حظرها ثم تعاود النهوض مرة أخرى وتحاول
لملمة أشلائها , وترتيب أوراقها , وتعديل خططها , وشحن أتباعها بأفكار
جديدة تصلح للمرحلة الجديدة التى ستخوضها وستعيدها الى الحياة, ولاأحد
يستطيع إنكار عدد كبواتها , فتاريخ جماعة الإخوان المسلمين طويل وشاق
وكبواتها كثيرة وهذا التاريخ يؤكد تعرضها للحظر ومنعها من ممارسة العمل
السياسى منذ أن خرجت الى النور وبدأ يكون لها دور وشأن حيث يؤكد التاريخ
إصطدامها بالملك فاروق فى نهاية عهده , وتصارعها مع عبدالناصر , ثم مع
حليفها أنورالسادات , ثم صراعها مع نظام مبارك والذى إستمر ثلاثون عاما قضى
فيها معظم قياداتها حياتهم اسرى سياسيين داخل المعتقلات والسجون , وكأنه
كان يعلم أنه لاأمل فيهم , فعمد على حبسهم فى قمقم حتى يتقى شرهم , وإستمر
هذا الوضع على ماهو عليه الى أن قامت ثورة 25 يناير وطوى التاريخ عصر مبارك
ونظامه ليبدأ عصرا جديدا مليئا بالأحداث والمتغيرات التى أفرزت حالة من
الخلل الأمنى أدت الى فتح هذا القمقم الذى أعده مبارك للإخوان المسلمين
فخرجوا من جحورهم وكل مايشغلهم هم كيف يكون الإنتقام من نظام كسر عظامهم
وشعب التزم الصمت ولم يقف بجوارهم فكان هدفهم الأول والأخير هو الوصول الى
رأس السلطة لتكون لهم الكلمة العليا ويصبحون حكاما بعد أن كانوا سجناء ,
وتحققت أمنيتهم حين تقلد الرئيس الأخوانى المعزول محمد مرسى منصب رئيس
الجمهورية بمساعدتهم ووقوفهم بجانبه بكل قوتهم , وخلال عاما واحدا هو فترة
حكم مرسى ذاق الشعب المصرى مرارة القهر والظلم وتدهورت الأوضاع الأقتصادية
والإجتماعية وإرتفعت معدلات الفقر والبطالة حتى ثار الشعب المصرى فى 30
يونيو على حكم الإخوان المسلمين وطالبوا بعزل مرسى من منصبه وتدخل الجيش
المصرى ليحقق رغبة المصريين بعد تعنت الرئيس المعزول وتهديد جماعته للشعب
بمزيد من العنف فى حال عزله .
وهنا بدأ الصدام الحقيقى بين جماعة الإخوان المسلمين والسلطة الحاكمة
المؤقته , فأعتلت قيادات الإخوان المنابر وإعتصمت بالميادين وجاهرت بالعنف
والأخذ بالثأر ممن سلبوهم حلم حياتهم إلا أن تم تفويض الجيش بالتعامل مع
تلك الجماعات الإرهابية التى عمدت على ترويع الشعب الأمن , وإنكشف الغطاء
عن وجوههم القبيحة , والواضح أن مشكلة جماعة الإخوان المسلمين تكمن فى
رفضها لأى طرف من خارج الجماعة فلم يستمعوا للرأى الأخر ولم يحترموا إرادة
الشعب فلفظهم الشعب المصرى وأصبحوا فصيلا منبوذا مكروها غير مقبول تواجده
على الساحة السياسية وهاهو التاريخ يعيد نفسه فاليوم قد كتبت شهادة وفاة
جماعة الإخوان المسلمين بعد قرار القضاء بحظرها ومنعها من ممارسة العمل
السياسى والذى سيترتب عليه أيضا حل حزب الحرية والعدالة المنبثق من الجماعة
فلا تلوم الجماعة الان إلا نفسها فهى التى ساعدت على إنتهاء عصرها بهذه
السرعة مثلما دخلته بنفس السرعة وأصبحت هى ورئيسها وقياداتها من الماضى
الذى لن يعود فمن مات لايعود مرة أخرى للحياة , وسبحان الله , دوام الحال
من المحال .