الفوضي على الفيسبوك.... بقلم / إسماعيل عبد الهادي,,
مما تجدر الإشارة إليه أن مواقع التواصل الإجتماعي حينما إنشئت في البدء كان الهدف من وراءها كما يبدو من اسمها هو لم شمل المتباعدين سواء بالسفر أو خلافه وليتعارف خريجي الجامعات القدامى على أصدقاء وزملاء دفعتهم ليلتقوا من خلال ذلك العالم الإفتراضى..إلا أنه حينما قامت الثورات العربية ونظراً لما قد أشيع من أن هذه المواقع كانت الشرارة لإندلاع تلك الثورات سرعان ما حادت عن مسارها واتجهت لمنحى آخر فوضوي فيه من السب والقذف الكثير لاسيما في حق رجال دولة أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن والزود عنه كرجال القوات المسلحة وكذلك دس أقوال مفتراه تنسب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لا أساس لها من الصحة فضلاً عن قيام البعض ممن يطلقون على أنفسهم مسميات عدة بالجروبات بالتهكم على القرآن الكريم بأساليب لا تليق بمقام القرآن العظيم.
وعلى سبيل المثال عقب إعادة محاكمة حسنى مبارك بتاريخ13/4/2013م رأينا على الفيس من هم يتغزلون في حسنى مبارك ويلعنون محمد مرسي ويقولون أن مبارك رغم الحبس لا يزال يحمل سمات الرئيس بينما مرسي ليس كذلك ومما هالنى أنه حدث ذلك من مجموعة أو جروب يطلق على نفسه "ما تشككش في إسلامى علشان أنا مش إخواني"!ولا أدرى ما هو وجه الخلط بين الأخوان والإسلام وأن كل من لاينتمي لتيار الجماعات الإسلامية ليس مسلم!ومع ذلك وبعيداً عن سلوك الأخوان المسلمين وجماعتهم سوف نجاري هؤلاء لنقف على كيفية إسلامهم وحقيقته وفقاً لزعمهم ففي تعليقهم على صورة حسنى مبارك حال إعادة المحاكمة المشار إليها دعوا على الرئيس الحالى محمد مرسي"بهذه العبارة:(الله يحرقك يا مرسي)! فهل قائل هذه العبارة مسلم؟ويريد أن يقنعنا أنه مسلم ولا نشكك في إسلامه ومن أبسط سلوك المسلم ألا يدعوا على مسلم مثله– أياً كان موقعه أو مركزه – أو يتناوله بسب وإلا أصبح ذلك المتطاول(فاسقاً)كما قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" متفق عليه. أما غير المسلمين فيصح أن يكون بينهم هذا التلاعن كما أخبرالمولى عز وجل فى محكم التنزيل:" ثم يوم القيامة يكفر بعضكم بعضا ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين" العنكبوت/25
ثم كيف للشعب الذى خرج عن بكرة أبيه ليهتف ضد حسنى مبارك أرحل وكفاية وغيرها من هتافات هزت الميادين يأتي اليوم ليقول رغم الحبس فإنه لا يزال يحمل سمات الرئيس بينما مرسي ليس كذلك وينعتون مرسي بصفات ما أنزل الله بها من سلطان وهو ذات الشعب الذي قام بإختياره أياً ما كانت نسب الإختيار فأصبح ملزماً للجميع لمن قال نعم ولمن قال لا ولمن أحجم عن الإدلاء بصوته من الأساس..مما يجعلنا كشعب منتقدين أمام العالم بأسره وأظهرنا أنفسنا بأننا لا نعلم شئ عن شئ فمن إنقلبنا عليه بالأمس نتغزل فيه اليوم,ومن اختارناه ليحل محله نلعنه وندعوا عليه بالحرق!. أيضاً ذات الجروب"ما تشككش في إسلامي علشان أنا مش إخواني"!
نشر صورة بالفوتو شوب أو الجرافيك وبداخلها العبارة التالية: "الرجل الأوروبي مع زوجته في المطعم يقطع اللحم ويضعها في فمها..قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته"والرجل العربي لا يعرف في الدين إلا الشرع حلل أربعة..أربع عفاريت يلبسوك يا بعيد" ولهذا الجروب مدعى الإسلام أقول: أولاً: الحديث الذى نسبتموه للرسول عليه الصلاة والسلام لا أساس له من الصحة وحديث موضوع وهو ما حذر منه الرسول– عليه الصلاة والسلام- بقوله من كذب عليَ متعمداً فليتبوء مقعده من النار. ثانياً: الحديث الصحيح المتعلق بهذه الجزئية هو الحديث المروي عن سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعل في فم أمرأتك". والقاعدة الأصولية تقول"العبرة بالمقاصد والمعانى وليس بالألفاظ والمبانى"
ومن ثم فإن ما قصده الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في هذا الحديث الصحيح هو وضع اللقمة بالمفهوم العام لا الخاص للفظ وهو السعى والكد من أجل أن يوفر الرجل لزوجته ولمن يعول الطعام ولا يتركهم عالة يتكففون الناس وعليه أن يكفيهم مؤنتهم لا أن يجلس ويقطع ويضع في فم زوجته كما أدعى ذلك الجروب المشكوك في إسلامه – وإن كان الإسلام لا يمنع من أن يدلل الرجل زوجته بالكيفية التى يراها – ولكن هذا ليس موضوعنا إذ أننا بصدد تأصيل دينى لحديث شريف ولسنا بمعرض تأويل إجتماعي لمشكلة أسرية. أما الطامة الكبرى فيمن يطلبون ألا نشكك في إسلامهم هو تهكمهم على الآية القرأنية الواردة بصدر سورة النساء ولا تحتاج لبحث عن صحتها من عدمه كما هو الحال بشأن الأحاديث وهو ما يجزم أن هؤلاء ليسوا بمسلمين ولم يقرأوا القرأن أو يطالعوا تفسير فقالوا أن"الرجل العربي لا يعرف في الدين إلا الشرع حلل أربعة..أربع عفاريت يلبسوك يا بعيد!!.
وهذه الآية الكريمة وردت في مستهل السورة المسماة بسورة النساء تكريماً للمرأة وليس كما يدعى المبطلون فيقول المولي عز وجل:"وإن خِفتُم ألا تُقسِطُوا فىِ اليَتَامى فانِكحُوا مَاطَابَ لكُم مِنَ الِنسَاءِ مَثنىَ وثُلاثَ وَرُباعَ فإن خِفتُم ألَا تَعدِلُوا فواحِدةً أو مامَلَكَت أيامنُكُم ذَلِكَ أدنَى ألا تَعُولُوا"النساء/3 والآية المذكورة كرمت المرأة من أمورعدة نستطيع أن نوجزها فيما يلي: الأولي:حماية الفتاة اليتيمة التى في حجر وليها وتحل له أن يتزوجها وهو الذى يدير أموالها فيتزوجها ولا يعطيها صداقها رغبة منه في الإستحواذ على ما تحت يده من مالها فيظلمها فحذره المولي عز وجل من ذلك وخاطبه بأنه في حال ما إذا خشي عدم العدل في اليتيمة التى تحت يده فله أن يتجه للإقتران بغيرها مثني وثلاث ورباع ويتركها لسبيل حالها ولمن يرغب في الزواج منها لشخصها.
ثانياً: كانت عادة قريش قبل الإسلام أن يتزوج الرجل بالعشر من النسوة بل ويزيد فجاء الإسلام ليبطل ذلك ويقصره فيما لايجاوز الأربع كى لا يكون هناك عيلة وظلم كما ورد بالنص القرآني العظيم. ثالثاً:ومع أن المولي عز وجل سمح للرجل بالإقتران بأربع نسوة خلافاً لما كان سائداً في الجاهلية من التعدد بلا حد إلا أن قيد ذلك بالعدل والعدل المقصود عدل النفقة والمبيت والمساواة بينهن في الأمور المعيشية لا العاطفية وهذا ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يقسم بين زوجاته ولكنه كان يستشعر الميل القلبي للسيدة عائشة رضى الله عنها فكان يقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلومنى فيما تملك ولا أملك. رابعاً:هناك من الحالات التى وردت بكتب الفقه لمبررات التعدد سواء أكان الأمر متعلق بالزوج ومقدرته الصحية والجسدية مما لاتطيقه الزوجة الواحدة فقد يكون إقترانه بأخري أو آخريات منعاً من تفاقم المشاكل بينه وبين الزوجة الواحدة ولكي تؤدم الحياة الزوجية بينهما دون اللجوء إلى التسريح أو الطلاق و ربما يتعلق الأمر بالمرأة ذاتها مما لا يجوز أن يطلع عليه الآخرون وسواء أكان الأمر هذا أو ذاك ففي الحالتين لمصلحة المرأة وليس تقليل من شأنها أو الحط من قدرها والدليل علي ذلك أن المجتمعات الغربية التي كانت تجعل رباط الزوجية مقتصراً على الواحدة بدأت تعدل عن ذلك وتدرك أن الدين الإسلامي دين يعتنى بمصلحة البشر لأنه دين من لدن عليم حكيم هو الذي خلق ويعلم ما خلق. ولهذا الجروب الذي يدعي الإسلام أقول خسئتم وخاب مساعكم فالمسلم الحقيقي لا يأخذ من الدين الجزء الذي يرضي هواه ويترك الجزء الآخر فيما لا يروقه ويتهكم عليه فالدين الإسلامي كل لا يتجزأ نؤمن به كله وحينئذٍ نتشرف بالإنتساب إليه ونكون مسلمين حقيقة أو نرفضه كله وحينئذٍ نكفر به ونتأسي باليهود والنصاري الذين جزأوا دينهم وفقاً للميل والهوى فتقرقوا شيعاً ونحل وأصبح لكل منهم كتاب يأخذ منه ما يرضي شذوذه وهواه. ولمن يأخذ عن هذه الجروبات بجهل ودون علم ويدعون الآخرين بأن "يشيروا" عليها لنشر ذلك الإفتراء
أقول أتقوا الله فيما تختارون من فوتوا شوب أو جرافيك لا تعرفون صانعه ولا دينه وتدعون الناس لمشاركتكم إياه فالحديث المروي عن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال:قال رسول الله صلي الله عليه وسلم"مَن سنَ في الإسلام سُنةً حسنة فعُمِل بها بعدَهُ كُتب لَه أجر من عَمِلَ بها ولا يَنقُص مِن أجورهم شئ ومَن سنً في الإسلام سُنَة سيئة فعُمِل بها بعدهُ كُتب عليه مثلُ وزر من عَمِلَ بها ولا ينقُصُ من أوزارهم شئ ". وقال المولى عز وجل: " مًايَلفِظُ من قَول إلا لديه رقيبُ عتيدُ "ق/18 ويقول المولي سبحانه وتعالي محذراً الذين يسخرون بالدين بقوله سبحانه وتعالي:"أن تَقُول نفسُ يا حَسرتَي عَليَ مَا فرطتُ فِي جنبِ اللهِ وإن كُنتُ لَمِنَ السَاخِرينَ"الزمر/56 فلنتق الله ولا نتحدث بما ليس لنا به علم ولا ننقل أشياء نجهلها ونجهل صانعوها ولا نعرف لهم دين أو هوية خصوصاً في الأمور الدينية العقائدية فنحن نعيش في عالم مفتوح من المعلوماتية والتأثير المباشر بل والتشكيك فمن الأفضل ألا نتوسع في النقل من خلال هذه المواقع ولنعلم أن لكل منا مجاله ووظيفته وكلُ يستطيع أن يفيد الآخرين بما لديه من علم في مجاله فالطبيب في تخصصه والمهندس والصيدلي وعالم الأزهر وغيرهم الكثير وهو ما نراه من البعض فعلاً حينئذ تشكل منظومة مفيدة تكون قدوة نستفيد منها بل ونشكر فاعلوها ونجلهم إما أن تكون فوضي يختلط فيها الحابل بالنابل بلا دراسة أوعلم فهذا ما لا يقول به أحد ولا يدعوا إليه دين بل يحط من قدر من يجهل ويدعي أنه يعلم ويجعل منه مسخاً مشوهاً لا سيما فى المسائل ذات الأهمية في الطرح التي يعجز عنها رجالها المتخصصون فما بالنا بالمدعين الذين لا يعرفون إلا اللمم بل كثيراً ما يجهلون ذلك اللمم ورغم ذلك يفيضون ويخوضون مع الخائضين ويعلقون معتمدين على أن الفيسبوك ليس عليه رقابة مثلما هي في الصحف الورقية أو المواقع الإلكترونية التى تعني بالمراجعة قبل النشر فلكل علم دراسة قد لا تكفيها سنين فلماذا لا نجعل دراستنا وإهتماماتنا في مجالنا كي نرتقي وبالتالى نفيد غيرنا لا أن نكون ناقلين بجهل لمعلومات مغلوطة وأخطرها كما سبق وأوضحت علوم الدين والعقيدة والأحاديث التى تنسب إلى الرسول زوراً أو تنقل محرفة لتفهم وفق هوى الناقل أو صانع الفوتو شوب مثل الحديث الذى أشارت إليه فيما تقدم.
نسأل الله أن يوفقنا للفهم الصحيح للأمور وأن يبصرنا طريق الصواب وألا يجعلنا ننساق وراء الغاوين المضلين وأن نكون مهدين هادين للحق لا للزيف والضلال.