fiogf49gjkf0d

محمد عبد العزيز يكتب :   ادانة الرئيس والتجارة بالألام

 

أحزاننا تشق صدورنا ، لا ريب ، آهاتنا تعلو قاماتنا ، لا محيص  جراء فاجعة قطار أسيوط  الذى حصد أرواح 50 طفلا بريئاً الهم الله الصبر أهليهم وذويهم ، لكن  احزاننا بالطبع لا تعدو كأنها حالة عاطفية عابرة ليست بحجم ما تشعر به الأمهات الثكالي والآباء المكلومين لفراق أبنائهم . المصاب جلل والمسؤولية تطال كثيرون بدءاً من رئيس الجمهورية ، ونهاية بعامل المزلقان .

 

لكن قبل التوضيح لابد من التعريج علي مقطع شاهدته لأحد الآباء الذي فقد ثلاثة من أبنائه فضلا عن ابن أخته التي تركته أمه امانة مع خاله لتكدح  هى في بلد نفطي تشيد فيه لفلذة كبدها مستقبله وترسم له حلمه  وهى لا تدرى انه سيغتال بين عجلات القطار .

الرجل خرج علي احدي الفضائيات بكل تؤدة ورجاحة عقل ليناشد الجميع عدم المتاجرة السياسية بالحادثة وعدم استغلالها من طرف ما ضد الرئيس للنيل منه وتحميله المسؤولية ليس شفقة علي الأطفال بقدر ما هى مزايدات وتكسب سياسي . انتهي كلام أب فقد كل أبناءه، لكنه لم يفقد الرزانة والحصافة والإنصاف، لم يفقد قيم الأخلاق والحب وإيثار مصلحة الوطن ، في وقت فقد فيه كثيرون كل تلك  المعاني السامية رغم أنهم لم يكتووا بنيران ولوعة هذا الأب  .وسار البعض على دروب هؤلاء وملئوا صفحات التواصل الاجتماعي بعبارات الإهانة والتحميل من مثل " منك لله يا مرسى " و " حسبي الله ونعم الوكيل فيك " وكأنهم كانوا ينتظرون أي أوجاع للوطن لاستغلالها في بث سمومهم وجهلهم المطبق .

 

يخرج علينا فى مثل هذه الأزمات أشخاص معروفون بالإسم يستغلون الآم الناس للمتاجرة الرخيصة بها ، يستغلونها ببشاعة ويتخذون منها مجرى تسير من خلاله أحقادهم ، يصبغون الحدث بالصبغة السياسية للنيل ممن يبغضون ، بعيداً عن مصلحة الوطن ، فكل هدفهم كيفية إفشال الرئيس واثبات ذلك للشعب بأي وسيلة صادقة كانت أم كاذبة .

خرج وائل الإبراشي وعمرو أديب ولاميس وضياء رشوان ومن علي شاكلتهم من الثلة المعروفة للجميع ، ليشهروا سيوفهم في وجه الرئيس وحكومته – مع اعترافنا بمسؤوليتهم عما حدث بنسبة ما – لكن كالعادة غابت الموضوعية وتاهت الحلول العملية وبقى فقط استغلال الحدث لإهانة الرئيس فوصفه أديب بالفاشل هو ورئيس الحكومة   ، ووصف الابراشى أعضاء الحكومة بأنهم قتلة وكال محمود سعد السباب والتهم لدرجة وصلت إلى حد تحريض احد آباء الضحايا على قتل رئيس الوزراء ، ما حدا بالبعض إلى محاولة الهجوم على د قنديل حال زيارته لموقع الحادث ورفض الأهالي عزاءه .

 

ووصف هؤلاء المتاجرون القرارات التي اتخذتها الحكومة بتخصيص مبالغ مالية (5 آلاف جنيها) كإجراء فوري لمساعدة اهالى الضحايا بالكفر ، نعم قالوا أن صاحب هذا القرار " كافر " واه لو خرجت هذه الكلمة من شخص محسوب على التيار الاسلامى لقامت الدنيا ولم تقعد ، وأتساءل ما لهذه المساعدة هي وان كانت بالفعل زهيدة غير أنها نوع من المواساة تحدث في كل بلدان العالم كرمز لمد يد العون من الدولة ولا يجب اعتبارها كما ردد هؤلاء المتاجرون تعويضا ، إذ لا يعوض الابن بمال الدنيا .

وعن الحادث أرى أن المسؤولية تعزى إلى الإهمال الذي يعد سوساً ينخر في جدران المجتمع المصري منذ عشرات السنين – وهنا لا احمل الأنظمة السابقة فقط – بل الرئيس الحالي كان لزاما عليه منذ اليوم الأول له أن يضع لبنة كأساس وعلاج ناجع لآفة الإهمال ، لاسيما في القضايا المتعلقة بالأرواح التي هى أغلى ما يملك الإنسان ، فماذا يتبقى حينما يفقد الإنسان روحه أو روح ابنه أو أخيه أو زوجته ، أي كارثة تحل به آنذاك ، وأي تعويض يعوضه عن ذلك الفقد المروع .

 

رغم أن ملف المرور كان من الأوليات الخمس التي تحدث الرئيس عن معالجتها السريعة فيما عرف بالمائة يوم , غير أننا لم نرى من الحكومة أى حلولا ملموسة عاجلة لتطوير ملف النقل فى مصر الذي تحصد مساوئه وإهمال العاملين به – إلا من رحم ربى - آلاف الأرواح سنوياً " بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية قتيل كل اربعين دقيقة فى مصر جراء حوادث النقل أى من 10 الى 12 الف قتيل سنويا فى مختلف وسائل النقل بما فيها القطارات .

اليست هذه ضمن المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية وحكومته ؟ وان كانت غير مباشرة ، لكنها مسؤولية تستوجب المحاسبة . ولان الحادث نجم عن إهمال خفير المزلقان أو سائق الحافلة – لم يتبين الأمر بعد – فلست مع من يستغل هذا الظرف ويتاجر بآلام الناس ليكيد للرئيس ويحمله المسؤولية المباشرة الكاملة فلا تزر وازرة وزر أخرى ، وفرق كبير بين المسؤولية الجنائية المباشرة ونظيرتها السياسية غير المباشرة .

كثيرون مسئولون عن الفاجعة  غير الرئيس وحكومته وهيئة السكك الحديدية ومحافظ الاقليم ورئيس الوحدة المحلية وعامل المزلقان وسائق الحافلة ، أى أن العنصر البشري والبنية التحتية للسكك الحديدية يعتبرا السبب الرئيس في الحادثة وفى كل حوادث القطارات في مصر ، وما أكثرها في السنوات الأخيرة " 5647 حادث فى الفترة من 2007 الى 2011.

فالإحصائيات العلمية في مصر تشير إلى آن 25 في المائة من المشاة يعبرون المزلقانات بطريقة خاطئة، ونسبة من 10 إلى 15 في المائة من السيارات  أيضا تعبر المزلقانات بطريقة خاطئة ، لذا فإن هناك ثمة أخطاء يتحملها العنصر البشرى متمثلا في سلوكيات الناس وثقافة بعضهم الضحلة ، بيد أن هذه الحلول أسرع من تعديل السلوكيات وتطوير الثقافات التي قد تستغرق سنوات طويلة تحصد فيها أرواحاً بالآلاف .

 

ووفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن أسباب حوادث القطارات في مصر ترجع إلى الخطأ البشرى بنسبة 68.7 % والى الخطأ الفني بنسبة 6.3 % واليهما معا بنسبة 26 %، ويحتل الوجه البحري النصيب الأكبر بحسب هيئة الإحصاء إذ تبلغ حوادث القطارات به 45 % بينما في الوجه القبلي 32 % والمنطقة المركزية " القاهرة الكبرى " تبلغ 23 % .

وتشير نفس الإحصائية إلى أن حوادث القطارات بلغت فى السنوات الخمس الأخيرة 5647 حادثة ، في عام 2007 حصدت 30 قتيلا وفى 2008 بلغت 72 وفى عام 2009 أزهقت 64 روحاً وفى 2010 حصدت 30 قتيلا ، والعام الماضي 45 قتيلا ، بينما المصابين في أخر خمس سنوات حوالي 500 مصاب .

سيادة الرئيس : ما المانع في ظل مصر الثورة أن يعلو سعر المواطن ، في ظل حرصك على ذلك الذي أثق به ؟ ما المانع أن نحذو حذو الدول المتقدمة التي تحافظ على أرواح الناس بمزلقانات تغلق بطريقة أوتوماتيكية حديثة  ريثما يدنو القطار من المزلقان بمسافة مناسبة ؟

ما المانع أن ننهض بعمال المزلقانات وتقوم الهيئة بعمل دورات تدريبية تثقيفية لهم ، وان كان معظمهم من محدودي التعليم يتم دعمهم بتعيين حاملي الدبلومات الفنية مثلا في هذه الوظيفة المهمة ، على أن تحترم أيضا آدمية من يعمل بها ويرفع شأنه مالياً ويدرك أهمية وظيفته .

احترمت وزير النقل الذي بادر بتقديم استقالته معلنا مسؤوليته السياسية عن الحادث في أسرع استجابة لمسئول في تاريخ مصر الحديث ، لكن لا أرى أن يترك من دون محاسبة أيضا ، فلماذا لم نرى آثرا لخطط وضعها لكل مرفق من المرافق التي تعج بالإهمال ، أين جدوله الزمني لحل المشكلات المتعلقة بمصائب النقل في مصر؟

 

ما المانع أن تستقل السكك الحديدية كوزارة طالما أن المسؤولية متشعبة على وزارة النقل التي تضم النقل البحري والبرى والسكة الحديد وقطاع المترو وغيره من قطاعات النقل المتعددة ، وحال تطبيق هذا من الممكن  حل المشكلة بصورة أسرع وكفاءة أعلى.

 

لماذا لا تتبنى الدولة مثلا مشروع بناء سكك حديدية جديدة على أطراف المدن  بعيدا عن مكامن الخطورة على أرواح الناس ، على أن تخصص سيارات نقل داخلي لنقل الركاب الى داخل المدن مثل كثير من بلدان العالم – التي تحترم الإنسان - وان كان هذا المشروع ذو تكاليف باهظة فمن الممكن إسناده إلى كبار المستثمرين الخليجيين أو الصينيين وفقاً لنظام البى أو تى ، وهو مشروع سيقضى على نسبة 90 % من حوادث القطارات . كما أنه قد يخدم المناطق النائية كالواحات التي تتميز بالمساحات الصحراوية الشاسعة وتحتاج الى الاعمار والتنمية .

ولأن المزلقانات لا يعد كونه  إشارة مرور فلما لا تشيد لها الدولة كوبري مثلا أو نفق كما في الدول المتقدمة - التي تحترم أرواح الناس -  لتجنب الوفيات التي تقع جراء حوادث القطارات ، ومن الممكن أن تستثمر مبالغ التعويض التي تدفعها الدولة لأهالي الضحايا فى الصرف على هذا المقترح حتى يخرج الى النور ويستفد منه الناس .

 

وإذا الأنفس البريئة سئلت بأى ذنب أرواحها زهقت ، سينطق الله يوم الساعة الاهمال وانعدام الضمير والاناملية وعدم استشعار المسؤولية لتقر بالذنب، انها مسؤوليتنا جميعاً .

 

الرحمة للأبرار الشهداء والصبر للأهل ، نعم لمسؤولية الرئيس ، نعم لمحاسبة عاجلة للمتسببين المهملين ، لا للمتاجرة بالمصائب ، لا لتصيد الأخطاء ، لا لتدنى اسلوب الحوار مهما بلغت الكوارث ، نعم لسيادة القانون .

سيادة الرئيس ، أعلم أنك شديد الجلد لذاتك ،أعلم أنك الآن تلم نفسك كثيراً ، وان لم يبدو ذلك . ادعوك الى أن تكون هذه الحادثة الأليمة نهاية عهد حصد الأرواح البريئة جراء الإهمال ، أدعوك أن تقبض على أجهزة الدولة التنفيذية بشكل أكثر قوة ، وأن تنزع عنك القفاز الحريرى الذى ترتديه ، لأن الإهمال فساد أيضاً يحتاج الازالة العاجلة وأنت وحدك وحكومتك ومعاونيك المعنيون بذلك فى الأساس ، بينما الشعب ليس إلا معين . وكفاك الله شر الشرذمة المتاجرون بآلام الناس والأبواق الفاسدة ، ووقاك شر نفسك وشر من يخوض مع الخائضين ، وحفظ الله مصر .