fiogf49gjkf0d
"المنافسة هي الحل" // مجدي طلبة //
 
في عام 1995 قامت الدنيا ولم تقعد بسبب تصريح صحافي للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك مصطفى مشهور حيث تنبأ بأن الصدام بين الإخوان والنظام الحاكم لن يستمر طويلاً لأن الجماعة ستحكم مصر خلال 30 عاماً مما تسبب في اندلاع حملة سياسية واعلامية عنيفة ضد الجماعة بشكل عام والمرشد بشكل خاص وبلغ الأمر أن اعتبر النظام هذه التصريحات "جريمة" تستوجب العقاب بحجة أن هذا يؤكد وجود رغبة إخوانية جامحة للصعود إلى سدة الحكم، وها قد تحقق ما تنبأ به المرشد قبل أن ينقضي عقدان من الزمن ووصل الإخوان إلى الحكم وذلك لتوافر أسباب الاستمرار والتزامهم بسياسة النفس الطويل والصمود أمام محاولات ضرب الجماعة. الإسلاميون بشكل عام وجماعة الإخوان بشكل خاص هم تيار وطني لم يهبط علينا من كوكب آخر ولم يرسله الأعداء إلينا بل هو موجود منذ أكثر من 80 عاماً وتعرض لظلم بين وقمع وتنكيل واعتقالات وإقصاءات واسعة لا مثيل لها، لكنهم حازوا أغلبية مقاعد مجلس الشعب المنحل وكذا مقاعد مجلس الشورى وفاز مرشحهم الدكتور محمد مرسي في أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ مصر الحديث وقد أشاد بها القاصي والداني. لكنه منذ أن لمع نجم الإسلاميين في سماء مصر وانتشروا انتشاراً واسعاً في الشارع المصري عقب ثورة 25 يناير وهم يتعرضون لمحاولات دؤوبة للنيل من مكتسباتهم وتشويه قياداتهم ورموزهم حتى بلغ الأمر إلى سب وشتم وإهانة الرئيس نفسه، ولم تخجل القوى الليبرالية والعلمانية، التي تتشدق دائما بالديمقراطية والحرية ولا تكف عن الدعوة إلى الإصلاح والانفتاح في البلاد، من إعلان رفضها الصريح والواضح لكل إرهاصات العملية الديمقراطية منذ ثورة 25 يناير بل حاولت مرارا أن تؤلب المجلس العسكري وقيادات الجيش على الرئيس المنتخب ثم وجدت أخيراً ضالتها في أزمة النائب العام والقضاة بغية النيل من الرئيس وتصويره على أنه لا يحترم الدستور ولا القانون. وهكذا باتت الأغلبية الساحقة للقوى الليبرالية والعلمانية منغمسة في أمر واحد فقط ألا وهو كيفية التخلص من كابوس الإسلاميين بطريقة تشبه ما حدث في تركيا عام 1980 حينما تحرَّك الجيش بقيادة رئيس الأركان كنعان إيفيرين فأعلن الأحكام العرفية وأسقط الحكومة وتولى إدارة شئون البلاد. وبدلا من ان تنشغل تلك القوى بكيفية تعزيز تواجدها في الشارع المصري لمجابهة ومنافسة التيار الإسلامي راحت تتصيد كل خطأ وتستغل كل مناسبة وكل فرصة لتشويه الإسلاميين وحض قيادات الجيش على الانقلاب على الحكام الجدد. لابد من الاعتراف بأن أغلبية القوى السياسية العلمانية في مصر المسلحة بإعلام عام وخاص فاقد للضمير والعقل قد ضربت عرض الحائط بأبسط قواعد الديمقراطية والحرية وباتت تتبنى عمليات تدليس وتشويه واسعة ضد الإسلاميين حتى بلغ الأمر أن استنجد بعضهم ببقايا النظام السابق وبعض قيادات الجيش للنيل من الرئيس مرسي بل وإسقاطه.
 
نعم هناك أخطاء ارتكبها ويرتكبها الإسلاميون وهم يعانون من بعض المشاكل غير أنه لا يمكن لأحد أيا كان أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وبما أنه من غير المقبول إقصاء التيار الإسلامي من المشهد السياسي أو إعادة المنتمين له إلى السجون مجدداً، إذاً لابد من التشديد هنا على ثلاثة أمور مهمة:
أولا: ينبغي أن تضع كافة القوى والجماعات السياسية الإسلامية والعلمانية في حسبانها أن مصر الوطن تستطيع أن تتسع وتحتضن الجميع دون استثناء وأن المنافسة، وليس التشويه والتجريح، هي الحل الوحيد للخروج من النفق الحالي،
ثانيا: ضرورة التوقف عن عمليات التشويه والتخوين الموجهة للإسلاميين وبالأخص رموزهم لأن الواقع أثبت أن هذه الحملات تعطي نتائج عكسية تماماً، ولنا في تجارب النظام السابق في هذا الأمر خير دليل على ذلك،
ثالثاً: التركيز على تدشين مشروع مؤثر وفعال تلتف حوله كافة قوى المعارضة من أجل الدخول في منافسة وطنية شريفة وصادقة مع التيار الإسلامي حتى لا يستأثر الإسلاميون بالسلطة للأبد وحتى تكون هناك معارضة وطنية قوية موحدة تستطيع أن تتصدى لإخفاقات النظام الحاكم وتصوب أخطاءه مما يخدم العملية السياسية والديمقراطية برمتها ويكون في نهاية المطاف في مصلحة البلاد والعباد. من المؤكد أن الجميع يفكر في مصلحة مصر وأن الجميع مخلص في حبه للوطن لكن كل على طريقته فإذا كان الأمر كذلك فإنه يتعين على الجميع أن يختار المنافسة الشريفة كأفضل وسيلة للخروج من حالة الانقسام الحاد والاستقطاب السياسي البشع الذي أضحى يهدد وحدة واستقرار الوطن، وكذا احترام كافة تجليات العملية الديمقراطية والالتزام بقواعد اللعبة السياسية بغض النظر عمن هو موجود في السلطة أو من هو موجود في صفوف المعارضة وإلا فإن البديل سيكون كارثياً ولن يدفع الثمن سوى الشعب المصري.