fiogf49gjkf0d
محمد عبد العزيز يكتب :

       خطاب الرئيس كامل منقوص

 

جاء  بردا وسلامة ، حل ضيفاً عزيزاً على قلوب الوطنيين المخلصين والشرفاء ، بيد أنه في المقابل كان ضيفاً حاراً ثقيلاً على قلوب المتربصين و الفاسدين و المنافقين والمعارضين للمعارضة أو بدافع الكراهية . انه خطاب الرئيس في احتفالية القوات المسلحة بالذكرى الـ 39 للنصر المظفر في أكتوبر 73 ، وهنا أسرد ما ارتأيته فيه من ايجابيات وسلبيات دفعتني لأسمه الكامل المنقوص.

 

الشفافية والصدق والمصارحة والموضوعية والمكاشفة التامة أهم عناوين حملها  خطاب الرئيس ، لكنه رغم ذلك لم ينجو من تفاهة التافهين وسلاطة ألسنة الحاقدين الذين لا يفتئون يتمسكون بالقشور ويتركون الجذور، فبدلا من خروج النقد الموضوعي البناء الذي يصف الخطاب ويحلله سياسيا مبينا نقاط ضعفه وقوته ، وجدنا من يتحدث عن بدلة الرئيس أو قميصه أو حركاته أو الواقفين خلفه أو حراسته أو سيارته ، وهذا لا يخرج عن كونه خواء فكرى وسطحية إما متعمدة أو متأصلة في تلك الشخصيات .

 

وبلغت الأمور مداها حينما علقت زميلة صحافية في المصري اليوم أثناء خطاب الرئيس على الفيس بوك بأنها تتمنى وجود قناص ماهر بين جنبات استاد القاهرة ليخلصها من الرئيس ، والله أحزنني أن تأتى هذه الأمنية الوضيعة من صحافية يفترض أنها مسئولة عن تنوير المجتمع وإبراز الحقائق وإلقاء الضوء على السلبيات لعلاجها ، رغم أنها تعلم أن الصحافي طبيب يداوي الجراح ويبترها إذا لزم الأمر ، مرآة لعكس الواقع الذي يعيشه المواطنون ، صوتا للضعفاء ضد الظلم حال توغله في رحم الفساد ، ضمير هذه الأمة ، لكن إذا علمنا أنها ومن على شاكلتها قد تربوا في مدرسة إبراهيم عيسى وعبد الحليم قنديل وعادل حمودة ومجدى الجلاد من الكارهين الكارهين لكل ما يمت للدين بصلة فلا نلوم تلميذ خرج من أسفل هذه العباءة العلمانية مع كامل الاحترام للعلمانيين أصحاب الفكر المستنير الذين يقدرون للدين قدره .

 

من ايجابيات الخطاب المكاشفة التامة التي تحدث بها الرئيس وهو ما كانت تطالب به كثير من القوى السياسية المحترمة وغيرها خلال الفترة الماضية ، لكن ذلك بالطبع لن يرضى الفئات المعارضة لمجرد المعارضة لكنه اثر ايجابيا ولقي أصداء جيدة لدى المعارضين المحبين لوطنهم مهما عظم اختلافهم مع جماعة الإخوان التي ينحدر منها الرئيس .

 

مرسى أكد في خطابه أنه حقق40% من برنامجه في مجال النظافة " وهى نسبة لم نكن نسمعها طوال حياتنا " ، و80% في ملف الخبز، و70% في مجال الأمن " وهو أمر واضح في الشارع جليا " ، مضيفاً أن ما تحقق من المستهدف في المرور 60% خلال شهرين، بالإضافة إلى تحصيل مليون ونصف مخالفة مرورية منها 43 ألف مخالفة سير عكس الاتجاه ، وفى الجانب الاقتصادي كان العائد من فتح الأبواب مع الخارج  والتوازن في العلاقات ، وإيجاد موطئ قدم حقيقي لهذا الشعب بين دول العالم القوي اقتصاديا، والمتشابك تجاريا، وتوقيع 17 اتفاقية في 9  رحلات قام بها في 90 يوما فقط ، عادت بحوالي 10 مليارات دولار بطريق مباشر، ومشروعات استثمارية متوقعة خلال فترة وجيزة، وشركات جديدة بحوالي 10 مليارات أخرى ، وبذلك رد الرئيس على من كان يتهمه أن كثرة ترحاله ترجع إلى هروبه من المشكلات الداخلية . وهذه الانجازات وان كانت محدودة إلا أنها موجودة في الشارع لكن لا يراها من لا يريد ولا يتمنى أن يراها .

 

في الخطاب أيضا تجلت قدرة الرئيس ومهارته على الاستقطاب المرحلي للشريحـة المجتمعيـة التي تحتاجها المرحلة ، غير انه لم  يعلق أخطاء المئة يوم على شماعـة فسـاد النظام السابق كذريعة للتقصيـر في الأداء الحكومي  بل أعلن تحمله كامل المسؤولية في أي تقصير ، رغم كونه حال استخدامه  لتلك الشماعة لم يكن ليلومه أحد بعد أن تسلم البلد كعربة محطمة جراء مئات الحوادث التي هشمت ثوابتها ، لكن الرئيس تحلى بالشهامة والرجولة ولم يعمد إلى التركيز على ذلك .

 

من الأمور الايجابية في الخطاب أيضا ذكر بعض مواطن الفساد المتمثلة في الشركتين الذين تحدث عنهما الرئيس وأظنه يعنى الشركة المصرية الكويتية التي اشترت الأرض بسعر زهيد جدا والشركة الأخرى لنجيب ساويرس وما حدث من تعدى على البورصة والتنفيع والعمولات والرشاوى والتسهيلات ذات الخمسين عاما التي منحها لهم جمال مبارك . وهنا كأن الرئيس أراد أن يمر بعملية انتقال من مرحلة دغدغة المشاعر لمرحلة المصارحـة ومواجهة الحقيقة وتوعيـة البسطاء بحجم التحديات وتحذيرهم من الانسياق وراء فلول النظام القديم الذين يلبسون ثوب المعارضـة والزعامــة ولا يفتئون يضللون الناس ويشوهون الصورة .

 

ورغم كل الايجابيات الواردة في الخطاب الذي وصف من قبل قوى سياسية عديدة مختلفة الفكر بأنه خطاب جيد استطاع من خلاله الرئيس كسب مساحة جديدة من التواجد في قلوب الناس ، لاسيما بعد المصارحة في أكثر من قضية ، إلا اننى كنت أتمنى أن يكون الرئيس أكثر وضوحاً ويتحدث عن أسماء بعينها متورطة في قضايا فساد حتى يعرف الشعب من يدمر مصر ، كنت أتمنى ألا يتطرق لقضية القرض من منظور شرعي لأنه ليس منوطا بذلك وليس أهلا له ، فهناك رجال شرعيون مؤهلون لذلك ، إن كان كما قال " ولا أظنه إلا صادقا " لن يطعم الشعب ربا فلزاما عليه سماع الفتوى الشرعية الواردة في هذا الشأن لا التحدث جهارا والقطع بأن قرض الصندوق لا يجر نفع .

 

لم يرق لي أيضا منذ البداية فكرة الحديث عن مئة يوم لفك طلاسم بعض القضايا المثخنة بالجراح مثل أزمات المرور والخبز والوقود والأمن والنظافة لأنها عميقة الجذور ، يعشش الفساد فيها منذ عقود مضت ، وتفاقمت أثناء الثورة بشكل لافت للنظر، فما كان ينبغي له أن يحدد مئة يوم مقلدا الدول الكبرى التي تلجأ لذلك مع كل حكومة جديدة ، لكن ليس أعقاب ثورة أطاحت برأس النظام فقط والذيول والقواعد لا زالت موجودة تعبث وتطفئ أي مصباح يضاء من قبل وطنيون أحرار ، الأمر كان يحتاج إلى عام على الأقل لمعالجة جزء كبير من تداعيات هذه الملفات .

 

لا زلت أتمنى أن يقلل الرئيس من الارتجال ، عليه أن يعد كلمته بنفسه كما يحب ويضع فيها كل ما يريد أن يقول ، وإن من نقطة تحتاج تفصيلا بسيطا فلا ضير بشرط عدم الإسهاب والخروج بالمستمع بعيدا ، فضلا عن كثرة حركته أثناء الخطاب وهى تبعث على عدم تركيز المتابع أيضا .

 

وأخيرا أهمس بعد هذا الخطاب في أذان من لا يجد في قلبه رغبة في أن يوفق الله الرئيس للنهوض بمصر أن يراجع نفسه لأنه بذلك قد يكون الحقد أو الحسد نال من قلبه أصاب قلبه على حساب حبه لوطنه الذي غط عقود من الزمان في سبات عميق بفعل نفر من الفاسدين ، وعندما حانت للوطن الفرصة لينهض علي يد رجل مخلص أمين ، وجد بعض الأفاقين  من أبناءه سواء محسوبين علي النظام السابق أو من الكارهين للتيار الإسلامي أو المضللين ، الكل بات يمارس تضليلا للمجتمع وقلبا للحقائق وتشويها للرئيس وتهكما وسخرية وسوء نية ، واعتراض لمجر الاعتراض وتمسك بالقشور وإهمال الجذور .

إن هذا الوطن الغالي لن ينهض إلا عبر مساندتنا لهذا الرجل الذي منً الله  به علي مصر .

فاللهم نسألك أن توفقه لما تحب وترضى وقه شر نفسه وشر البطانة الفاسدة وشر قوم لا يريدون خيرا لمصر طالما توقفت عجلة فسادهم وتضاءلت أرصدتهم في البنوك .