fiogf49gjkf0d
قراءة في وثائق هامه

الجورنالجي محمد مرعي يحاول فك لوغاريتمات مصرية

الكاتب الكبير المرحوم بإذن الله "درويش الجميل" له برنامج إذاعي عنوانه: نافذة على التاريخ كتب في مقدمته:

"التاريخ سجل الشعوب والأمم" معنى ذلك أن كاتب هذا السجل هو الإنسان في كل زمان ومكان.. جرت أحداث هذا السجل في أمكنة وأزمنة عديدة .

وقديما على عصر الإغريق حيث كانت أثينا مركز إشعاع ثقافي وحضاري وفلسفي كان هيرودوت أبا التاريخ.. يقرأ كل شيء يقابله أو يلتقي به.. كان يقرأ البحار والأنهار.. وكان يقرأ في الأحجار وأوراق الأشجار.. وكان يربط ما يقرؤه وما يجرى فوقه وتحته وأمامه وخلفه ويمينه ويساره ليستخلص النتائج.

وقرأ شامبليون حجر رشيد.. وفك حروف وكلمات مسجلة فوق سطحه.. وهي حروف وكلمات اللغة الهيروغليفية القديمة.. وكان حجر رشيد هو مفتاحا لدخولنا إلى عالم الفراعنة.. بعلومهم وآدابهم.. وحضارتهم وثقافتهم.. ومعتقداتهم وتقاليدهم وعاداتهم.

وبصراحة.. تشدنا قراءة التاريخ ومحاولة الربط بين وقائعه وأحداثه.. وبين وقائع وأحداث الحاضر.. لاستخلاص النتائج والوصول إلى العبرة.. فواقع التاريخ "مقدمات".. ووقائع الحاضر أيضا "مقدمات" ترتبط أو تمتد أو تتعارض مع المقدمات الأولى .

ومن قراءة المقدمات الأولى والثانية نصل إلى نتائج هي المستقبل.. والتي ستصبح بعد سنوات تاريخا.

ومن هنا ندعوكم للقيام معا بقراءة وثائق مهمة.. عن وقائع جرت أو وقعت خلال النصف الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين على سطح الأحداث المتسارعه في المشهد المصري.

 

صورتان متطابقتان رغم أن المسافة الزمنية بينهما تمتد إلى مساحة طولها 60 عاماً.

فالأولى حدثت في عام 1952والثانية وقعت في عام 2012.

&e633;&e633; الصورة الأولى كما يرسمها السيناريو التالي:

** تحركت القوات المسلحة في صبيحة 23 يوليو 1952 وسيطرت على قيادة القوات المسلحة في مقرها الذي يشغله حاليا المجلس الأعلى للقوات المسلحة بجوار مسجد الزعيم جمال عبدالناصر.. وفي مواجهة الكلية الحربية القديمة والتي تحولت الآن إلى الكلية الفنية العسكرية.

وصدر البيان الأول عن الحركة بتوقيع اللواء أركان الحرب محمد نجيب الذي جاء به تنظيم الضباط الأحرار ليقود الثورة اعتمادا على سمعته الطيبة بين الضباط وعلى رتبته العسكرية لإقناع الشعب نظرا لأن معظم الضباط الأحرار كانوا في رتبة البكباشي "المقدم" والصاغ "الرائد" واليوزباشي "النقيب".

** أرسل البيان الذي كتب بخط "الصاغ" الرائد جمال حمدان إلى اليوزباشي النقيب محيي الدين عبدالرحمن بمقر الإذاعة المصرية "4 شارع الشريفين" قرأ النقيب محيي الدين عبدالرحمن البيان بصوت متعثر.. وأعيد مرة أخرى لكن بصوت البكباشي "المقدم" أنور السادات.. تكررت إذاعة البيان كل نصف ساعة.

** تشكلت وزارة جديدة برئاسة علي ماهر "باشا".

** بعد العشاء مساء يوم 24 يوليو 1952 أذيع أول بيان بصوت اللواء محمد نجيب جاء في البيان:

-        أن حركة الجيش تنشد الإصلاح وتطهير الجيش وجميع مرافق البلاد ورفع لواء الدستور.. دستور 1923.

-        كل شيء يسير على ما يرام.. وقد أعدت لكل شيء عدته.

-        مطالبة الشعب بالسير خلف الحركة لرفعة الجيش وعزة البلاد.

** وافق الملك على مطالب الجيش بتعيين على ماهر باشا رئيسا للوزراء.. وتقرر أن يسافر على ماهر إلى الإسكندرية لأداء اليمين الدستورية مع أعضاء وزارته أمام الملك فاروق الأول.

** مساء 24 يوليو 1952 توجه كل من محمد نجيب وجمال عبدالناصر والنقيب إسماعيل فريد الذي أصبح السكرتير الخاص لمحمد نجيب إلى منزل علي ماهر قبل أن يسافر إلى الإسكندرية.

** في نفس اليوم سافر علي ماهر إلى الإسكندرية.. قابل الملك في قصر المنتزه حيث كان يقيم.. استمرت المقابلة 3 ساعات.. قدم علي ماهر للملك مطالب قادة الحركة ووافق الملك على مطالبهم.

** اللواء محمد نجيب الشاهد الأول يرسم تفاصيل الصورة:

"كنا قد اتفقنا على عزل الملك.. وقررنا ألا يعرف علي ماهر بقرارنا وكنا قد أرسلنا بعض المدرعات والمدافع إلى الإسكندرية.. وقام زكريا محيي الدين بإعداد خطة تحرك القوات إلى الإسكندرية لحصار كل من قصر المنتزه وقصر رأس التين، وكان مع هذه القوات كل من القائمقام "العميد" أحمد شوقي والبكباشي "المقدم" يوسف صديق والبكباشي حسين الشافعي والبكباشي عبدالمنعم أمين.

** يوم 25 يناير 1952 سافر كل من محمد نجيب وأنور السادات وجمال سـالــم وزكريا محيي الدين الذي طلب تأخير عزل الملك يوما واحدا حتى تستريح القوات المكلفة بمحاصرة قصري المنتزه ورأس التين.. وكان جمال سالم يعارض التأجيل.. لكن تم حسم الموقف لصالح رأي زكريا محيي الدين.

** الشاهد الأول يواصل رسم الصورة:

جمال سالم يثير قضية أخرى: تمثلت القضية في: ماذا نفعل بعد عزل الملك؟
هل نحاكمه؟

هل نطلق سراحه؟

هل نرسله إلى المنفى؟

وأضاف جمال سالم:

من رأيي أن نحاكمه على جرائمه التي ارتكبها؟

واختلف الفرقاء الموجودون بالإسكندرية.

محمد نجيب:

مهما كانت جرائم الملك فلا يجب أن نحاكمه أو نسجنه!! لنتركه يقرر مصيره بنفسه!! وعلينا نحن الالتفات إلى مستقبل البلاد.

آخرون قالوا:

ثورتنا بيضاء لا يجب أن تلوث بدماء أحد حتى لو كان الملك.

جمال سالم يصرخ:

تذكروا شهداء فلسطين وأن عليكم الانتقام لهم!!

ويقول الشاهد الأول اللواء محمد نجيب:

امتد النقاش إلى ما بعد منتصف الليل دون نتيجة.. قلت:

إننا نشكل نصف أعضاء مجلس القيادة.. علينا أن نأخذ رأي الآخرين الموجودين بالقاهرة.. عليك أن تركب الآن الطائرة للسفر إلى القاهرة وأخذ رأيهم.. لم يوافق المجتمعون بالإسكندرية على أخذ رأي الموجودين بالقاهرة تلفونيا.. وسافر جمال سالم إلى القاهرة.. وعاد إلى الإسكندرية حاملا رسالة تعكس رأي الموجودين بالقاهرة وهي رسالة من جمال عبدالناصر.

"يجب أن نتخلص من فاروق فورا.. علينا أن نتفرغ لما هو أهم.. وهو القضاء على الفساد وأن نمهد الطريق لعهد جديد.. يتمتع فيه الناس بالحرية والكرامة والعدل.

وختم جمال عبدالناصر رسالته:

لنترك فاروق يذهب إلى المنفى ونترك التاريخ يحكم عليه بالموت"

&e633;&e633;

الشاهد الثاني هو قائد الجناح عبداللطيف بغدادي:

بعد منتصف الليل من يوم 25 يوليو.. كنا قد أخلدنا للنوم بعد مجهود مستمر دون نوم منذ ليلة 23 يوليو.. ودون طعام غير تناول الشاي أو القهوة.

أيقظنا جمال سالم بعد وصوله من الإسكندرية.. أثار موضوع محاكمة الملك وإعدامه.. تناقشنا في الأمر.. استقر الرأي على أنه من الأفضل أن يترك الملك وشأنه وللتاريخ أن يحكم عليه.

&e633;&e633; الشاهد الثالث وهو أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار البارزين الذي أصبح علامة من علامات الثقافة والفن في بلادنا هو الدكتور ثروت عكاشة يقرر:

بعد نجاح الحركة أصبحنا نرى أن وجود الملك بات غير مأمون العاقبة.. ووجد جمال عبدالناصر أن خطر بقاء الملك يدفعنا إلى استغلال "الفرصة المواتية لإجبار الملك على التخلي عن العرش" ويواصل د. ثروت عكاشة:

"في منتصف ليلة 24/25 يوليو اتصل بي جمال عبدالناصر متعجلا لقائي.. توجهت إليه.. طلب مني إعداد كتيبة دبابات وإرسالها إلى الإسكندرية لتتولى المهمة إلى جوار وحدات الأسلحة الأخرى.. قلت له:

"حسبنا خلع الملك وإبعاده دون إراقة دماء.. طمأنني جمال عبدالناصر:

ان هذه نيته الشخصية وإنه حريص على أن تظل الثورة بيضاء"

&e633;&e633;

شاهد رابع هو عضو تنظيم الضباط الأحرار أحمد حمروش الذي سجل قصة الثورة في خمسة أجزاء صدرت بعنوان "قصة ثورة 23 يوليو" يقول في شهادته:

أثار جمال سالم إشكالا استغرقت مناقشته عدة ساعات.. قال جمال سالم.. مجلس القيادة قرر عزل الملك.. لكن لم يقرر مصيره.

ويقول أحمد حمروش في شهادته:

كان جمال سالم أكثر الموجودين حماسة لإعدام الملك أو محاكمته.. تأثر بحماس جمال سالم كل من عبدالمنعم أمين وزكريا محيي الدين.. ووقف ضد الإعدام أو المحاكمة كل من: محمد نجيب وأنور السادات ويوسف صديق وحسين الشافعي.

تقرر سفر جمال سالم لأخذ رأي الموجودين من أعضاء القيادة في القاهرة.. وعاد محملا برسالة تحتوي رأي جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر وخالد محيي الدين وعبداللطيف بغدادي وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم وصلاح سالم وهم بقية أعضاء مجلس القيادة بالقاهرة:

"يترك فاروق حيا.. ويحكم عليه التاريخ".

&e633;&e633;&e633;

قابل محمد نجيب وأنور السادات وجمال سالم علي ماهر المكلف بتشكيل الوزارة.. سلم نجيب إنذار مجلس القيادة للملك.. يقضى الإنذار بالتنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد الثاني.. وعلى الملك أن يوقع الإنذار قبل الثانية عشرة ظهر يوم 26 يوليو 1952 ويغادر الملك إلى المنفى قبل الساعة السادسة مساء نفس اليوم!!

ويقول الشاهد الأول اللواء محمد نجيب:

ان الذي صاغ الوثيقة هو المستشار الدكتور عبدالرزاق السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة.

ويقول:

أتذكر أننا قررنا أن يأخذ الملك معه ملابسه وأمتعته ومجوهراته ومتعلقاته الشخصية.

ويواصل:

صعدت إلى المحروسة "المركب الذي استقله الملك في طريقه إلى المنفى" ومعي أحمد شوقي وحسين الشافعي وجمال سالم وإسماعيل فريد".

ولندقق في المشهد التالي من الصورة:

كان الملك ينتظرنا.. أديت له التحية العسكرية.. رد على التحية.. كان الملك يرتدي ملابس "أدميرال بحري" وكانت معه الملكة ناريمان ومعها ابنها أحمد فؤاد الثاني تحمله مربية انجليزية.. ومعه بناته الأميرات فريال وفوزية وفادية بناته من الملكة فريدة.

قدمت له التحية وكذلك فعل الآخرون.. سلمنا عليه بأيدينا.

وقال فاروق:

أرجو أن تعتني بالجيش.

 يتوقف الشاهد الأول ليقول:

لاحظ فاروق أن جمال سالم يمسك عصاه وهو واقف أمامه.. قال الملك لجمال سالم:

ارم عصاك.

حاول جمال سالم أن يعترض.

طلبت منه ألا يعترض وان يرمي عصاه ففعل.

عاد الملك للحديث إلى نجيب.

مهمتك صعبة جدا.. فليس من السهل حكم مصر!!

وأطلقت المدفعية 21 طلقة كما تقضي البروتوكولات في توديع الملوك.

................................................

انتهت الصورة الأولى.. وتبقى الصورة الثانية.. فإلى الغد بإذن الله.