fiogf49gjkf0d
أحد الدبلوماسيين الإيطاليين قال:
الدبلوماسي يجلس على مقعد متقدم في مسرح تجري فوق خشبته أحداث كبرى يلعب بطولتها أشخاص مهمون.. وأحيانا يصبح هؤلاء الأشخاص في مقاعد صناع هذه الأحداث.
والصحفي هو الآخر يجلس في مقاعد متقدمة.. ليشاهد هذه المسرحيات.. يتفاعل معها وينفعل بها.. ويبقى دائما محافظا على متابعة ما يجري من أحداث صنعها أبطال تاريخيون.. ويقترب منهم ويتعرف على بطولاتهم.. ثم يسجل حكاياتهم بموضوعيه.
الحلقة الأخيرة
"الثائر مزيوني مسعود"
حديث عن أبوإياد وعلاقته بـ"مزيوني مسعود":
مصادفة.. التقيت به عام 1965 بعد فترة طويلة من لقاءات سريعة جمعت بيني وبينه.. "اللقاء الصدفة" تم في الكويت.. بينما تمت اللقاءات السريعة التي سبقت "اللقاء الصدفة" في القاهرة، وكنت أنا وهو مهتمين بالحركة الطلابية، فقد كان عضوا في اتحاد طلاب فلسطين في القاهرة.. وكنت أنا – أيضا - عضوا في اتحاد طلاب الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة.. الإقليم الجنوبي كان يعني مصر، بينما الإقليم الشمالي يعني سورية.. كان هو أكبر مني بسنوات غير قليلة وتخرج في جامعة القاهرة وتحديدا في كلية دار العلوم .. ثم التحق بجامعة عين شمس للحصول على دبلوم في التربية.
لكن من هو؟
شهرته "أبوإياد" واسمه الحقيقي صلاح خلف.. سافر بعد تخرجه إلى قطاع غزة ليعمل بحكم أنه فلسطيني مدرسا في مدارس القطاع.. وانقطعت "اللقاءات السريعة" أو توقفت.. وكدت أنسى هذه اللقاءات.. فلم نكن أصدقاء أو أقرباء.. لكن – فقط – جمعنا الاهتمام بما كنا قد تعارفنا عليه في ذلك الوقت بـ"الحركة الطلابية".
&e633;&e633;
نعود إلى "اللقاء الصدفة" على أرض الكويت..
سألته عن سبب وجوده في الكويت فأجاب:
"إنني أعمل مدرسا للغة العربية في مدرسة ثانوية افتتحت حديثا.. اسمها مدرسة الدعية" والتي أصبحت الآن تحمل أسم "ثانوية أحمد البشر الرومي".
وسألني عن سبب وجودي في الكويت.. أجبته: أنا حضرت في زيارة صحافية.. وجه إلي الدعوة لتناول القهوة معه.. واتفقنا على اللقاء في مكتبه بالمدرسة.
لبيت دعوة صلاح خلف "أبوإياد" لتناول فنجان القهوة.. وتحدثنا عن الحركة الطلابية.. وأهميتها.. ودورها.. ومستقبلها.. وفجأة قال أبوإياد:
"أخ محمد.. أنا أثق فيك.. دعني أقول لك سرا.. فقط أرجوك أن تحافظ عليه.. لا تنشره أو تذيعه أو تكشف عنه إلا إذا أفادنا.. قبل أن أفضي إليك بالسر عليك أن تقسم على المصحف بالمحافظة على السر".
كنت أتابع كلماته.. بعد ان اكتسى وجهه بجدية طاغية ووعدته وأقسمت له على المصحف الشريف:
&e633;&e633;
وبدأ "أبو اياد" أو "صلاح خلف" يكشف عن السر.
قال أبو اياد:
"نحن أحد عشرشخصا قررنا إنشاء منظمة تهدف إلى تحرير فلسطين.. واخترنا اسم "حركة تحرير فلسطين" لنطلقه على المنظمة.. ووجدنا ان اختيار الأحرف الأولى من الكلمات الثلاث ستصبح منظمة حتف" وهنا قررنا تعديل ترتيب الحروف بالتقديم والتأخير لتصبح الكلمة "فتح" بدلا من "حتف" وأنشأنا لها جهازا عسكريا اسمه "العاصفة" يتولى العمل داخل الأرض المحتلة.
وكشف لي "أبوإياد" عن بعض أسماء الذين شاركوا في تأسيس "فتح" أذكر منهم:
ياسر عرفات "أبوعمار" وخليل الوزير "أبوجهاد" وسليم الزعنون "أبوالأديب" وفاروق قدومي "أبواللطف" وخالد الحسن "أبوالسعيد"..وذكر لي صلاح خلف أسماء بعض زملائه الذين شاركوا في تأسيس "فتح" وكانوا مقيمين بدولة قطر وهم "محمد يوسف النجار" وكمال عدوان وأبومازن".
&e633;&e633;
وحكى لي "أبوإياد" قصة مجيئه إلى الكويت:
جئت للعمل في الكويت بناء على طلب ياسر عرفات الذي كنت قد خلفته كما تعلم في رئاسة اتحاد طلاب فلسطين أثناء وجودنا بالقاهرة.. وقال لي أبوعمار- والكلمات لصلاح خلف:
راتبك كمعلم في غزة لا يكفي للصرف على احتياجاتك، وحركتنا تتطلب من المساهمة بأموالنا للصرف عليها.
ويمضي أبو إياد:
حاولت العمل كمعلم في قطر لكن "أبومازن" أخبرني أن الوظيفة ألغيت وتبين أن أجهزة الأمن المصري في ذلك الوقت حذرت أجهزة الأمن القطرية، والكلمات لصلاح خلف بحجة أنني شيوعي خطر.. لكنني نجحت في التعاقد مع الكويت عندما حضر إلى غزة مدير التعليم في الكويت في ذلك الوقت عبدالعزيز حسين "يرحمه الله" الذي لم يعتمد تقريرا لأجهزة الأمن المصري شبيها بالتقرير المقدم إلى قطر بأنني شيوعي خطر.
ويواصل "أبوإياد":
هل تتصور أنني يوم سفري إلى الكويت حضرت إلى مطار القاهرة والأغلال في يدي وبجواري زوجتي.. وذلك بناء على أوامر مدير إدارة الأمن العام في غزة وهو كمال الدين حسين.. عدوي القديم، فقد كانت له مواقف سابقة معي.. وهو غير كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة المصرية.
&e633;&e633;
لماذا الحديث عن "أبوإياد" صلاح خلف وما هي علاقته بالحديث عن الشاب الجزائري الثائر "مزيوني مسعود" أو أحمد بن بيلا؟
وما علاقة السر الذي كشف عنه بـ"مزيوني مسعود"؟
وتتواصل كلمات "صلاح خلف" لترسم السر الذي كشف لي عنه بعد أن أقسمت على المصحف الشريف أن أحافظ عليه ولا أكشف عنه إلا لكي يحقق لهم مصلحة تفيد حركتهم فقال:
"أخ محمد.. لقد حاول وفد منا مقابلة جمال عبدالناصر.. سافر إلى القاهرة طلب موعدا لمقابلة الرئيس.. فوجئ الوفد بسكرتير الرئيس لشؤون المعلومات سامي شرف.. قال لنا:
انه مكلف من الرئيس عبدالناصر أن يبلغنا تحياته.. لكنه يعتذر عن عدم المقابلة.. والسبب ارتباطه بمواعيد سابقة، وان رئيس الوزراء الصيني شواي لاي موجود بالقاهرة، وبعدها سيسافر الرئيس لزيارات محددة سابقا،وقال لنا سامي شرف أيضا:
أنه مكلف من الرئيس بتلبية مطالبنا.. ويتابع "أبوإياد":
وبصراحة يا أخ محمد غضبنا من عدم موافقة عبدالناصر على استقبالنا.. وغادرنا القاهرة متجهين إلى الجزائر للقاء مع الرئيس الجزائري في ذلك الوقت أحمد بن بيلا.. وقابلناه:
قلنا نحن غاضبون من عبدالناصر: لقد رفض مقابلتنا.
سألنا بن بيلا:
ماذا تريدون من عبدالناصر؟
أجبنا: كل ما نطلبه أن تصدر القاهرة بيانا تؤيد فيه انطلاق حركة تحرير فلسطين "فتح" وأن يذاع البيان من إذاعة "صوت العرب".
قاطعنا الرئيس بن بيلا قائلا:
أعرف اعتزازكم وحبكم لثورة الجزائر.. دعوني أضع أمامكم تجربتنا .. اذهبوا إلى الأرض المحتلة..أطلقوا أول رصاصة وبعدها سيعترف بكم العالم كله.. وقال لنا أيضا:
لو كانت المسألة مجرد حصولكم على بيان تأييد من القاهرة فبالإمكان أن أضع تحت تصرفكم طائرة خاصة،وأن يرافقكم هواري بومدين وزير الدفاع "في ذلك الوقت" لتنقلكم إلى القاهرة ليدبر لكم اللقاء مع الرئيس ناصر وحصولكم على بيان التأييد المطلوب.. لكن بصراحة أنصحكم بالذهاب إلى الأرض المحتلة لبدء حركة النضال المسلح لتحرير فلسطين.
ويقول "أبوإياد"
واستمعنا إلى نصيحة "بن بيلا" وبدأنا بالفعل كفاحنا المسلح!
وأسأل أبوإياد:
لكن لماذا رفض عبدالناصر مقابلتكم من وجهة نظركم؟
أجابني:
لأن تقارير المخابرات المصرية في ذلك الوقت أمام الرئيس عبدالناصر عنا:
إننا من الإخوان المسلمين!
وعقب عودتي إلى القاهرة زرت الكاتب المرحوم أحمد بهاء الدين، كان يومها رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة "المصور"..
أخبرته بما قاله لي "أبوإياد":
بعدها كتب – رحمه الله – في المصور يقول ما معناه:
اكشفوا عن حقيقة "فتح" وأعضائها إذا كانت حركة نضالية أيّدوها.. وإذا كانت حركة بعيده عن النضال أدينوها.
وتمضي سنوات وينجح الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في توفير لقاء لأبوعمار وأبوأياد والوفد المرافق لهما مع جمال عبدالناصر.