fiogf49gjkf0d
حقاً، صدق من أطلق وصف السلطة الرابعة على الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص، وذلك نظراً للتأثير العميق والواسع لوسائل الإعلام، خصوصاً في أعقاب الثورة الهائلة للقنوات الفضائية التي باتت تلعب دوراً رئيسياً ومحوريا في تشكيل وتوجيه الرأي العام، ونشر المعلومات، وخلق وإثارة القضايا المختلفة. ومن المفترض أن تلتزم وسائل الإعلام بمعايير وقواعد عامة تعتمد في الأساس على المهنية والموضوعية والمصداقية والحيادية. كان لابد من هذه المقدمة لأن واقع الإعلام المصري الآن مصدم ومحبط ومخيب للآمال، والمراقب له يجد أن هناك حالة أشبه بـ «فوضى غير خلاقة» نابعة أساسا عن نشاط تحليلي وتنظيري غير مسبوق يعم معظم القنوات الفضائية الرسمية والخاصة، والقاسم المشترك بين هذه القنوات هو المزج المريب والخلط العجيب بين الرأي والتحليل ووجهة النظر من جانب وبين المعلومة من جانب آخر، ويبرز هذا الخلط على نحو فاضح ومكشوف عبر برامج الحوارات والمناظرات أو ما يطلق عليها برامج الـ «توك شو» التي أضحت عاملاً محورياً ورئيسياً في تشكيل الوعي العام بل وتحريكه باتجاه مرسوم ومخطط له بعناية فائقة وباحترافية شديدة. يبدو أن عالم الإعلام أضحى شبيهاً بعالم السياسة حيث عدم الاكتراث بالمبادئ والقيم والأعراف ولا صوت يعلو فوق صوت «المصالح». أقول هذا لأن غالبية القنوات الفضائية المصرية ضربت بمعايير العمل الإعلامي عرض الحائط، وتخلت عن الاحترافية والموضوعية، وباتت تدق على أوتار الرأي العام بالعزف تارة وبالإثارة والتهييج تارة أخرى، مما خلق حالة من البلبلة والضبابية في الشارع المصري وجعل المتابعين والمشاهدين في حيرة من أمرهم بسبب تناقض واختلاف الرؤى والتحليلات التي تعرضها تلك القنوات. وتعمل معظم القنوات الفضائية الرسمية والخاصة حالياً وفقاً لثلاث رؤى: أولاً: قنوات تعمل تحت شعار «الثورة - الثورة» حيث تعتمد في الأساس على الإثارة والتحريض واستغلال المواقف والأحداث لإدارة الرأي العام باتجاه محدد المعالم، وتقف بالمرصاد للإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص، وتتحين الفرصة لصب جام غضبها على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ودائماً ما يكون ضيوفها من «أصحاب الحناجر العالية». ثانياً: قنوات تعمل وفقاً لشعار «التهدئة - التهدئة والاستقرار - الاستقرار»، وتتبنى في مجملها أسلوب التهدئة والروية في التعامل مع الأحداث والمواقف، وتنأى بنفسها عن إثارة الرأي العام من خلال استضافة خبراء ومحللين يتسمون بالهدوء ورباطة الجأش، كما ترفض توجيه اللوم أو النقد للمجلس العسكري أو الإخوان. ثالثاً: قنوات تدعي الاعتدال والوسطية، وتحاول الوقوف على الحياد وإمساك العصا من المنتصف، وتسبح مع الموجة ومن ثم فهي تقف إلى جانب جنرالات المجلس العسكري والإسلاميين تارة، وتقف إلى جانب القوى والحركات الثورية تارة أخرى. وقد تجلت «الفوضى غير الخلاقة» في وسائل الإعلام المصرية إبان أحداث ماسبيرو، وشارع محمد محمود، ومجلس الوزراء، وأخيرا «مذبحة» بور سعيد حيث ذهبت كل قناة تتعاطى معها وفقاً لتوجهاتها وميولها وحساباتها الخاصة على نحو لا يمت بصلة للموضوعية والنزاهة الإعلامية، مما جعل عملية الدفاع عن حرية الإعلام وحرية التعبير أمراً عسيراً للغاية. في وجهة نظري المتواضعة أرى أن السبيل الوحيد للتصدي لفوضى القنوات الفضائية ووقف هذا الانفلات الإعلامي البشع والخطير يكمن في القضاء تماماً على حالة الغموض والضبابية الأزلية التي دائماً ما تكتنف أحداثاً مهمة ومواقف مصيرية، وضمان حرية تدفق وتداول المعلومات، وخلق كيان أو نقابة تضم كافة العاملين في الحقل الإعلامي مع وضع ميثاق شرف إعلامي يرتضيه ويلتزم به الإعلاميون كافة.