fiogf49gjkf0d
المؤامرة...(7) مصالح وعلاقات...!
بقلم : محمد يسري موافي
بداية الكلام: (إذا سبنـي نـذل تزايـدت رفعـة * وما العيب إلا أن أكـون مساببـه * ولو لم تكن نفسـي علـى عزيـزة * مكنتهـا مـن كـل نـذل تحاربـه!) من روائع الإمام الشافعي أيضاً!.
***************
نواصل في هذا المقال محاولات لربط ما حدث في السنوات العشر الأخيرة من اتفاقات وتحالفات وتنسيق بين القوى المختلفة المتربصة بالوطن العربي، ومحاولاتها لإسقاط الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات وتحقيق حلم أو أمنية أو هدف كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2006 والتي قالتها في إسرائيل، بأن رياح التغيير ستهب قريباً على الشرق الأوسط الجديد وسط أجواء من الفوضى الخلاقة!. يقول الكاتب الأمريكي (تريتا بارسي) أستاذ العلاقات الدولية في جامعة (جون هوبكينز) في مقدمة كتابه (التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية)، إن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، مدللاً على ذلك بعدم لجوء الطرفين إلى استخدام أو تطبيق ما يعلنه خلال تصريحاته النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس. كان أهم ما تضمنه هذا الكتاب هو كشفه عن الاجتماعات السرية العديدة التي عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية، اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة. ويقول الكاتب إنّ المسئولين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين. وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في إبريل من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد اقتراح جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساساً لعقد صفقة كبيرة مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي - الإيراني. وشمل العرض الإيراني والذي أرسل إلى واشنطن عبر وثيقة سريّة، مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على الصفقة الكبرى والتي تتناول عدداً من المواضيع منها: برنامجها النووي, سياستها تجاه إسرائيل, ومحاربة تنظيم القاعدة، كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية - إيرانية بالتوازي للتفاوض على (خارطة طريق) بخصوص ثلاثة مواضيع: أسلحة الدمار الشامل- الإرهاب والأمن الإقليمي - التعاون الاقتصادي. وتضمّنت الوثيقة السريّة والتي حملها الوسيط السويسري (تيم جولدمان) إلى الإدارة الأمريكية أوائل مايو عام 2003، قيام إيران باستخدام نفوذها في العراق لتحقيق الأمن والاستقرار وتشكيل حكومة غير دينية، وعرضت إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود، كما وافقت إيران على إيقاف دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية والضغط عليها لإيقاف عملياتها الفدائية ضدّ قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان من أهم بنود الوثيقة السرية هو التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني، وكذلك قبولها بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002, والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها إلى ما بعد حدود 1967. لكن المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية، والذي سبّب إحراجاً كبيراً لصقور البيت الأبيض بزعامة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، الذين كانوا يناورون على مسألة تدمير إيران لإسرائيل ومحوها عن الخريطة. وقال (بارسي) في كتابه إنّ صقور الإدارة الأمريكية المتمثلة بديك تشيني ووزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح ورفضه على اعتبار أن الإدارة الأمريكية ترفض التحدّث إلى ما تسميه بدول محور الشر، ويشير الكتاب أيضاً إلى أنّ إيران حاولت مرّات عديدة بعد رفض هذا العرض، التقرب من الولايات المتّحدة لكن إسرائيل كانت تعطّل هذه المساعي دوماً خوفاً من أن تكون هذه العلاقة على حسابها في المنطقة. وخلاصة ما توصل اليه بارسي، إنّ إيران ليست خصما للولايات المتّحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام وأفغانستان بقيادة حركة طالبان، فطهران تعمد إلى استخدام التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناءاً عليها بأسلوب متهور وأرعن من شأنه أن يزعزع نظامها، وعليه فيمكن توقع تحركات إيران وهي ضمن هذا المنظور لا تشكّل خطرا لا يمكن احتواؤه عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية.
وإذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات والتراشقات الإعلامية والدعائية بين إيران وإسرائيل، فإننا سنرى تشابهاً مثيراً بين الدولتين في العديد من المحاور بحيث أننا سنجد أنّ ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما. ويضيف، إن الدولتين تميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتين على جيرانهم العرب، حيث ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب في الغرب والجنوب أقل منهم شأناً من الناحية الثقافية والتاريخية وفي مستوى دوني، ويعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضّرهم وتمدّنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر. أما في المقابل، يرى الإسرائيليون أنّهم متفوقون على العرب بدليل أنّهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة، ويقول أحد المسئولين الإسرائيليين في هذا المجال لـ(بارسي) إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله، وهو ليس بالشيء الكبير، في إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شيء حيال الأمور. ويستند الكاتب في كتابه إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، إيرانيين وأمريكيين رفيعي المستوى ومن أصحاب صنّاع القرار في بلدانهم، إضافة إلى العديد من الوثاق والتحليلات والمعلومات المعتبرة والخاصة. على الجانب الآخر يذكر الكاتب عصام زيدان أنه لم يكن مفاجئاً ذلك المقال الذي كتبه مسئول التنظيم الدولي للإخوان سابقاً والقيادي الذي ينتمي للرعيل الأول في الجماعة يوسف ندا عن الشيعة وتوصيفه لطبيعة الخلاف وكونه خلافًا فرعيًا، ومن جنس الخلافات السياسية لا العقدية بين إيران الشيعية والدول العربية السنية، ومن ثم تصوره كذلك لطبيعة العلاقة بين الجماعة وإيران. وعدم المفاجأة تأتي من كون هذه التصريحات سبقتها تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان السابق مهدي عاكف، والتي عبر من خلالها عن عدم ممانعته للمد الشيعي في البلاد العربية والسنية، معللاً ذلك بأنها بلد واحد وسط أكثر من 56 دولة سنية. وثمة أسئلة تطرح نفسها من ثنايا هذا المقال والتصريحات السابقة للمرشد عن طبيعة هذه العلاقة الجدلية بين الإخوان وإيران، هل بالفعل هناك ما يربط ما بين الإخوان وإيران؟ وهل هناك ما يرجوه الإخوان من وراء هذه العلاقة؟ وهل يمكن أن تستغل إيران هذه العلاقة لأغراض سياسية ومذهبية مستقبلية؟ هذه الأسئلة وغيرها والتي قد يصعب الإجابة عليها جملة واحدة ربما تعود بنا إلى الجذور الفكرية التي تحرك طرفي العلاقة بين الإخوان وإيران والحدود التي يمكن أن تجمع بينهما، فمن الواضح الجلي أن الإخوان ينطلقون من أرضية سياسية، ويحكمون على إيران من هذه الأوجه، لأكثر من سبب منها: أولاً: توهينهم للخلاف العقدي والمذهبي بين السنة والشيعة، فهذا الخلاف كما قال الأستاذ ندا في مقاله المنشور على موقع جماعة الإخوان الإلكتروني خلاف في الفروع، حيث اعتبر (الإثني عشرية) (شيعة إيران) مذهبًا إسلاميًا، يجوز التعبد عليه، كما أن للمسلمين السنة أربعة مذاهب يتعبدون عليها. ورغم اعترافه بتجاوزاتهم، بالخوض في عرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفي كبار صحابة النبي الكرام طعناً وتكفيراً، واستنكاره عليهم أنهم يتعبدون بلعنهم، لم يعد مخالفاتهم مستوجبة للحكم عليهم بالكفر! وقال (إن المستقر في فكر "الإخوان" أن الخلاف في الفروع لا يُخرج من الملة)!، وإن الخلاف مع الشيعة لا يتعلق بخلاف في قواعد الدين وأصوله، بل إنه خلاف سياسي على الولاية والإمامة، ويجب أن يحل سياسياً لا بالاتهامات الشرعية. ثانيًا: تغليبهم لوحدة الأمة عن شعور صادق بأهمية هذا الأصل، على أي خلاف عقدي ينظرون إليه، على اعتبار أنه خلاف فرع لا يفسد علاقة الأمة ببعضها، خاصة وأن الجماعة ومنذ النشأة الأولى جعلت من أهم خصائصها (البعد عن مواطن الخلاف).
ثالثًا: الانخداع بالعداء الإعلامي الظاهر بين إيران والغرب خاصة الولايات المتحدة، واعتبار إيران دولة مناضلة في مواجهة قوى الاستكبار العالمي والشيطان الأكبر، وقد ترسخ ذلك الشعور بعد حرب 2006 بين حزب الله المدعوم إيرانياً وإسرائيل، دون الالتفات إلى المصالح التي تجمع ما بين الطرفين، وما قدمته إيران من خدمات للاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان. رابعًا: الإعجاب بنموذج الثورة الإيرانية وقدرتها على تغيير الأوضاع الداخلية، في ظل وضع إقليمي وعالمي معقد، وهو ما قد فشلت فيه كل الجماعات والتيارات السنية في التاريخ المعاصر، لاسيما وأن القوة كمسار للتغير لم يُستأصل بعد من فكر الجماعة وإن كانت غائباً عن سلوكياتها وممارستها العملية منذ فترة بعيدة. على هذه الأرضية السياسية بدت للإخوان صورة الدولة الإيرانية، فالخلاف إن وجد فهو خلاف فرعي، ووحدة الأمة أوجب من الالتفات إلى مثل هذه الخلافات، خاصة مع دولة تقود الكفاح والنضال ضد القوى المستكبرة في العالم، وكل هذا يتنزل على أرضية وذهنية معجبة بنموذج تغييري فشلت في تحقيقه كافة القوى والجماعات السنية في التاريخ الحديث. فماذا يريد الإخوان إذًا من إيران؟ هذا السؤال لا يستطيع أحد أن يجزم بإجابة واضحة وصريحة عليه، ولكنه يثير في الذهن تساؤلات محيرة، هل يعتقد الإخوان أن إيران يمكن أن تدعم بصورة أو أخرى تحركاً لتغيير وضعيات داخلية محددة؟ وهل يستشرف الإخوان وضعاً إقليمياً متغيراً يمكن لإيران أن تلعب فيه دوراً هاماً يصح الركون إليه والاعتماد عليه؟ هل يسعى الإخوان من وراء هذا التقارب إلى الضغط على النظام الداخلي لإفساح المجال أمامهم للمشاركة السياسية المؤثرة وإنهاء إقصائهم السياسي المتعمد؟ هل يرى الإخوان في هذا التقارب تكتيكًا للوصول إلى أهداف استراتيجية داخلية؟ لا يستطيع أحد، كما أسلفنا أن يجزم بإجابة واضحة، ولكن الراسخ الذي لا يقبل الجدل أن الإخوان في رهان استراتيجي ضخم له ما بعده، خاصة إذا ما استحضرنا في المشهد الراهن علاقتهم المتوترة مع نظام مبارك. وماذا عن إيران؟ وإذا ما انتقلنا إلى الشق الآخر من المعادلة وهي إيران، فإننا نجدها وفي كافة ملفاتها الخارجية تنطلق من أرضية مذهبية بحتة، قد تكون مشوبة بالتقية أو متجردة عنها، ولكنها في النهاية تصب في نهر واحد، على اختلاف المسميات والأسماء التي تتولى الحكم في إيران إصلاحية كانت أو راديكالية. وعلاقتها مع الإخوان، لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار المذهبي، وليس أفضل من الإخوان يمكن أن تتعامل معهم إيران في هذه المرحلة التاريخية لأسباب متعددة منها: أولاً: رؤيتهم، كما أسلفنا لطبيعة الخلاف وكونه خلافاً فرعياً، كما هو الحال بين المذاهب السنية الأربعة، وهذا لا يجعل حاجزاً عقدياً في التعامل مع دولة شيعية. ثانيًا: الإخوان قوة لا يستهان بها في غالب المجتمعات العربية، وخاصة في مصر وليس ببعيد عن الصواب من يقول إنها القوة الوحيدة المؤهلة لسد الفراغ في السلطة إذا ما قد وجد ذلك الفراغ يوماً ما، وهو ما يجعلها محط نظر من المتطلعين لتغيير الأوضاع في هذه البلاد العربية لوجهة يريدونها، ويرغبون في الإمساك بزمامها. ثالثًا: القابلية للتعاون فالإخوان يمكنها على قاعدة السياسة أن تتعاون مع إيران إذا ما وجدت في ذلك مصلحة آنية أو مستقبلية!. ولكن، ماذا تريد إيران من الإخوان؟ يمكن لإيران أن تستغل تلاقيها مع الإخوان في عدة ملفات منها: أولاً: تكرار تجربة سوريا مع الفصائل الفلسطينية، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف النسبي بين وضعيات هذه الفصائل وجماعة الإخوان، بحيث يشكل ذلك عنصراً ضاغطاً على النظم الإقليمية الموجودة، وزيادة في نفوذ إيران الطامحة إلى دور الشرطي الإقليمي، والذي يسعى إلى جمع أكبر عدد ممكن من أدوات الإجبار والقهر والقوة الصالحة للاستخدام متى حانت الظروف.
ثانيًا: تخفيف الوجه المذهبي الإيراني، والذي يمكنها من التسلل إلى البلاد العربية والإسلامية تحت عباءة الإخوان التي خرجت الكثير والكثير من الجماعات والتيارات المتباينة الميول والتوجهات. بمعنى أكثر وضوحاً من الممكن، ولو من الناحية النظرية حتى الآن أن تتخذ إيران الإخوان كقنطرة للوصول والتغلغل في البلاد العربية كواجهة سياسية ولتحقيق أغراض مذهبية!، في الحلقة القادمة إن شاء الله تفاصيل اتفاق الإخوان وإيران وإسرائيل وأمريكا وقطر لتقسيم مصر والشرق الأوسط، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
********
إضاءة: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى&<648; آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـ&<648;كِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ &O4831;96&O4830; أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى&<648; أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ &O4831;97&O4830; أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى&<648; أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ &O4831;98&O4830; أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ &O4831;99&O4830; أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى&<648; قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ &O4831;100&O4830; (الأعراف)
بقلم: محمد يسري موافي
Ahram.kw@gmail.com Twitter@ahramkw