fiogf49gjkf0d
الاعتذار للورود
 
يبدو إن رائحة البارود والخرطوش لازالت تزكم أنوف إخواننا العسكر، ويبدو إن دخان الحروب التي انتهت منذ أكثر من ثلاثين عاما أعمي أبصارهم وبصيرتهم فأصبحوا لا يرون الورود التي تفتحت وازدهرت بعد 25 يناير، واشرأبت أعناقها متطلعة إلى عنان السماء، الورود التي حملت أدوات التنظيف والدهان وراحت تزيل آثار المظاهرات بعد إن اقتلعت من فوق صدورنا طاغية لم يقض هو وزبانيته على مقدرات المحروسة الاقتصادية فقط، بل قضي على نحو أربعة أو خمسة أجيال من الورود الجميلة المتنوعة الأشكال والألوان وقضى على مستقبلها الاقتصادي والعلمي والاجتماعي، الورود التي نثرت روائحها الفواحة في إرجاء المحروسة معلنة عن ميلاد جيل جديد من الأزهار يخلب الأبصار وينشر عبيره في كل مكان من المحروسة فينقذها من أكوام القمامة وروائحها التي أزكمت أنوفنا منذ ثلاثين عاما، الورود التي لم تلق بالا لرحيقها وعطرها فراحت ترمي بأنفسها وسط النيران والدمار من أجل إنقاذ المجمع العلمي أحد المراكز العلمية المنسية والمهملة من حكومات عسكرية تعاقبت علينا فإضاعتنا وأضاعت مكانتنا العلمية، الورود التي تُسحق تحت أحذية أُناس لم يشتموا يوما عطرها ولم يقدروا يوما جمالها لأنهم اعتادوا على القبح في كل أعمالهم، الورود التي لو تفتحت وازدهرت في شارع المال والبورصة في الولايات المتحدة الأمريكية(وول ستريت)، لكان لها شأن أخر، ولو تفتحت وازدهرت في عاصمة الضباب لندن مثلا لغطي رحيقها العالم، بدلا من إن تسحق تحت الأقدام، والدليل ما حدث في عاصمة الضباب أخيرا من حرائق ضخمة وسرقات ليس لها مثيل في التاريخ، تظاهرات كل همها الأول والأخير تدمير المتاجر والمحال التجارية، تظاهرات سعت للتخريب والنهب والسرقة، ومع هذا ورغم الدمار العلني الذي حدث لعاصمة الضباب رفض رئيس وزراء بريطانيا رغم الضغوط التي مُورست عليه من حزبه ومن أحزاب المعارضة، رفض أطلاق رصاصة واحدة على رأس لص أو بلطجي، أو أصابه عين شاب من الشباب الذين قاموا بتلك الحرائق الضخمة، لقد تحولت عاصمة الضباب ياسادة في ليلة وضحاها إلى عاصمة للنهب والسلب والبلطجة، ولم نسمع خلال مدة تلك المظاهرات عن سقوط قتلي، أو جرحي، أو فقأ عيون لهؤلاء اللصوص والبلطجية، وفي الوقت نفسه نرى صورة عكسية تماما في المحروسة شعب يريد استرداد كرامته المسلوبة، شباب يداني الورود والزهور في جمالها وعطرها الفواح يسحق تحت أحذية وبنادق ورشات العسكر الذين اعتادوا على القبح، أعميت إبصارهم وبصيرتهم، فأصبحوا لا يرون إلا أنفسهم، ولا يرون إلا مصالحهم الشخصية، ألم يسمع العسكر في المحروسة عما جرى في عاصمة الضباب، ألم يشاهد العسكر ما حدث في وول ستريت من جماعة من المتظاهرين أرادوا احتلال سوق المال، ألم يتعلموا من تلك الأحداث كيف يتعاملون مع شعب لا يريد ولا يطلب منهم إلا الكرامة، شعب لا يريد أن يكون مطية وألعوبة في يد فئة ظالمة حاقدة لا تبحث إلا عن مصالحها الضيقة، شعب يريد أن يعيد اكتشاف نفسه ليلحق بركب الحضارة والتقدم والعلم، بدلا من التخلف والظلم والقهر الذي يعيشه مغلوبا على أمره، شعب كان سيحمل هؤلاء العسكر فوق الأعناق ليعانقوا وهم على أكتاف الشعب عنان السماء، لو كانوا اكتشفوا الشفرة، ولو كانوا أحسوا بالنبض الحقيقي، ولو كانوا خلال 11 شهرا من الحكم أعادوا له كرامته المسلوبة، وصانوها بدلا من سحقها وسحق المطالبين بها من شبابنا الجميل ... ولكن هيهات ... هيهات إن يفهموا أو يعقلوا ......!!!