fiogf49gjkf0d
طيب!!!
 
بصير مصر
 
كلما سمعت المتشائمين وهم يسودون مستقبل مصر، ويخوفون الناس من الحرب الأهلية القادمة التي ستنتهي بتفتيت مصر إلى دويلات وسفك دماء المسلمين والمسيحين حتى يتحول نهر النيل إلى اللون الأحمر، وتدخل القوات الأجنبية للفصل بين المتذابحين - كلما سمعت ذلك أغمضت عينيّ، وتخيّلت صورة «بصير» مصر، طبيب الأسنان الشاب ذي الثلاثين ربيعا الذي فقد عينيه الاثنتين واحدة في 28 يناير والأخرى في 19 نوفمبر، البطل المهيب د.أحمد حرارة، ابن حي المعادي الراقي، الذي كان ينتظره المستقبل الباهر وهو يقول بعفوية: «أعيش أعمى بـ«كرامة».. أحسن ما أعيش شايف وعيني «مكسورة».
أسترجع صورة الطبيب فأتأكد أن مصر لم تصب بالعقم بعد، ومثلما أنجبت الزعماء الوطنيين والقادة العظام على مدى التاريخ، فها هي تتحفنا بشباب كالورود، يحبون حياة العزة والكرامة، ولا يهابون الموت.
.. د.أحمد كان يمكن أن يكتفي بفقدان عينه اليمنى في 28 يناير، ويا له من ثمن فادح للحرية والتخلص من الطاغية، ويتحول بعدها إلى مناضل أمام كاميرات الفضائيات، وبطلاً من أبطال الـ«فيس بوك» أو مغرداً من مغردي «تويتر»، ويتاجر بعينه المفقودة ليصبح عضواً في البرلمان أو حتى وزيراً للصحة في حكومة الثورة، لكن إخلاصه لمصر، ولأفكاره الثورية دفعه للنزول إلى ميدان التحرير مرة أخرى والانضمام للخطوط الأمامية للمتظاهرين في 19 نوفمبر؛ ليتلقى رصاصة مطاطية من مسافة لا تتجاوز عشرة أمتار تفقده عينه اليسرى، ومعها ما تبقى له من بصر، ويضيع معها مستقبله المهني كطبيب أسنان، ويدخل كهف إظلام البصر.. ونور البصيرة.
هل سمع به حضرة الملازم أول الذي يفتخر زملاؤه بأنه «صائد العيون».. والمحتجز الآن تمهيداً لمحاكمته؟ والذي أتمنى على القاضي أن يحتجزه مبدئياً لحين المحاكمة – في غرفة تملؤها صور د.أحمد حرارة، قبل الإصابتين، وبعدهما، وتثبت بها شاشة عملاقة يشاهد عبرها الضابط ضحيته 24 ساعة في اليوم.. وإذا كان لديه ذرة إحساس فسينذر ما تبقى من حياته للتكفير عن ذنبه.
أما نحن – أنا وأنتم - فماذا فعلنا لدعم ثورة تغير وجه مصر؟.. كتبنا المقالات، وشاركنا في برامج الـ «توك شو»، وربما تبرع بعضنا للثورة ببعض المال، أو نزل ميدان التحرير دعماً للمتظاهرين.. ثم جلسنا على كراسينا المريحة «نُحلِّل» و«نُنظِّر» ونطلق الآراء؟.. هل يساوي ذلك شيئا مما فعله د.أحمد حرارة؟
.. لا والله.. لا يساوي كل ذلك لحظة إظلام لنور عينيه اللتين دفعهما ثمناً باهظاً حتى نتوجه أنا وأنتم اليوم إلى صناديق الانتخاب؛ لندلي بأصواتنا في أهم وأخطر انتخابات في تاريخ مصر الحديث.. وأقل ما نفعله لمصر اليوم هو أن نقول كلمة حق.. ونواجه الخوف من الفلول.. والذعر من بطش البلطجية.. ونتوجه جميعاً إلى صناديق الانتخاب؛ لنشارك في تشكيل مستقبل مصر إن لم يكن من أجلنا نحن.. فمن أجل أبنائنا وأحفادنا.. وإكراماً لـ «عيون الحرية».. عيون د.أحمد حرارة.
 
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66
 
هُمُ العميانْ
وأنت الباصرُ الرائي
ومختصرٌ لأسمائي
فلا تحزنْ
فلست حقيبة هربتْ
على رُصُف المطاراتِ
ولستَ قصيدة السلطان..
تراقصُ عُهرها جهراً
على عَتبات أنّاتي
هُمُ العميانْ..
وأنت الكاشفُ المخبوءَ
تحت ملابس الطغيانْ
وأنت الشعب والميدانْ
وأنت البيت والعنوانْ
وأنت نبالة الإلسانْ
تطهّرُ يومي الآتي
فلا تحزن وأنت النصرْ
وأنت قيامة الشهداء في عصر الملمّات
صلاة العصرْ
وسورة مصرْ
حراراتي وحاراتي
 
مختار عيسى (يوميات يناير)