fiogf49gjkf0d
كيف يفــكر العسكر ؟؟
ما حدث في المحروسة قبل تسعة أشهر من اجتماعات مكثفة لنائب رئيس الجمهورية (العسكري) مع القوى السياسية المختلفة، وما أعقبه من اجتماعات مكثفة أيضا من جانب العسكر مع القوى السياسية بعد سقوط النظام السابق، لاستطلاع رأيهم حول مستقبل الحكم في المحروسة والصورة المثلى التي يجب أن يكون عليها يذكرني بما كتبته ذات يوم من مقال عن فيلم كرتوني أنتجته إحدى الشركات المتخصصة، أشدت فيه بالفيلم الذي يعلم الأطفال العديد من القيم والمبادئ التي نحن في أحوج ما نكون إليها الآن في ظل المتغيرات التي تشهدها مجتمعاتنا من عولمة وتقدم تكنولوجي مخيف يحوطنا من كل جانب، وتمنيت على الشركة المنتجة بل وطالبتها بالاستمرار في إنتاج مثل هذه الأفلام الكارتونية الهادفة التي تهتم بأطفالنا وتزودهم بالعلم والمعرفة فضلا عن تعليمهم لكثير من السلوكيات التي افتقدناها وفي مقدمتها احترام الآخر، وبعد نشر المقال تلقيت اتصالا هاتفيا من مستشار الوزير المعنى بالأمر في ذلك الوقت، وكانت تربطني به علاقة احترام متبادل ولازالت كونه أحد الكتاب المسرحيين المشهورين، وقال لي بالحرف الواحد (أن معالي الوزير سأل عن المقال وعن كاتبه وعن هدفه، فأبلغته أن كاتب المقال إنسان حالم).
 
 هكذا ببساطة إنسان حالم، وانتهي الآمر، هذه الحادثة وغيرها من الحوادث التي مرت بي وبمعظم زملائي من الصحافيين والكتاب تظهر كيف ينظر منْ هم في سدة الحكم إلى غيرهم من الناس، وكيف يتفاعلون من القضايا أو الأفكار التي يطرحها الآخرون عليهم، وهي الأفكار التي تنطلق من مَعيِن المصلحة العامة والحب والإخلاص للوطن، وهي الأفكار التي تُعامل بالازدراء تارة، وبعدم الاهتمام تارة أخرى، إذ يرى القائمون على الحكم أنهم القادرون فقط دون غيرهم على تقدير الأمور، وهم دون غيرهم الذين يتمتعون بنظرة ثاقبة تخولهم لتولي أمور الحكم، وبالتالي التحكم فينا وفي مصائرنا دون النظر إلى حرية الرأي أو التعبير أو الاستماع للرأي الآخر حتى لو كان في مصلحة الوطن، وهم في ذلك يتحركون وفق نظرة أحادية الجانب تربت فيهم منذ التحاقهم بالكليات العسكرية ، إذ تعلموا على احترام الأوامر الصادرة إليهم وتنفيذها دون مناقشة أو سفسطة فارغة، وبالتالي فهم لا يفهمون ولا يعرفون معنى أن يدلي المرء براية، ومعنى أن يكون لنا نحن الشعب رأيا، فيكف يكون لنا رأيا وهم حماية الوطن، وكيف يكون لنا رأيا وهم من يقرر مفاهيم ومعاني الأمن القومي، وكيف يكون لنا رأيا ونحن قطيع يسير في ركبهم، وهذا ما لم يفطن إليه مع الأسف كثير من أصحاب الفكر والثقافة ومن القوى السياسية التي هرعت لقبول دعوات الحوار المتتالية التي صدرت من العسكر لمناقشة مستقبل الحكم في المحروسة، وهي الدعوات التي لم تسفر عن شيء حتى الآن، تسعة أشهر وشباب الثورة وغيرهم من القوى السياسية يجتمعون مع العسكر دون نتائج واضحة أو مرضية للشعب الذي لا يريد شيئا سوى العيش بكرامة وعزة نفس، ولا يريد شيئا سوى أن يرى المحروسة تستعيد مكانتها المفقودة بين الأمم، تلك المكانة التي فقدت نتيجة النظرة الأحادية للأمور من جانب العسكر الذين لازالوا يرددون بعد كل تلك الاجتماعات وبعد ما خبروه عن تطلعات هذا الشعب الآبي أنـــــــــــه شـــــــــــعبُ حــــــــالـــــــم .