fiogf49gjkf0d
الولاء والقَسم
 
بعد أن هدأت حده المطالبات بمحاكمة الرئيس المخلوع الذي عمل هو وأبناءه ونظامه على قهرنا وذلنا وتجويعنا ، وبعد أن هدأ العسكر وركنوا إلى إن الشعب المظلوم المقهور هو في حقيقته شعب طيب سرعان ما ينسى الإهانة والمذلة ، وسرعان ما ينسى من دمره وجعله يتذيل الأمم ، بعد كل هذا لابد من توضيح كثير من الأمور التي غفل عنها أبناء شعبنا في شأن العسكر وعقيدتهم، ومنها ما يعرف بقسم الولاء الذي أقسمه الضباط الأحرار بعد الاستيلاء على السلطة وطرد الملك ، فلقد أقسم الضباط الأحرار على القرآن الكريم بعدم سجن بعضهم البعض وعدم محاكمة بعضهم بعضا، وهذا ما قام به الرئيس جمال عبدالناصر الذي لم يصدر أمرا بحبس أو اعتقال الفريق محمد نجيب أول رئيس وطني عسكري للمحروسة، بعد عزله من الحكم بل عمل على تحديد إقامته ، وهذا ما فعله مع وزير دفاعه صاحب نكسة 67، إذ تم تحديد إقامته ثم التضحية به بعد ذلك، وقد ترسخ هذا القسم وأصبح من أبجديات العقيدة العسكرية بعدما قام الرئيس السادات بتحديد إقامة معارضيه من العسكر ومنهم نائب رئيس الجمهورية البكباشي حسين الشافعي بعد عزله من منصبه، هذا هو الأمر الذي غفل عنه شباب الثورة وغفل عنه المؤرخون والمثقفون من أبناء الشعب، فسعوا وراء سراب وحلم لم ولن يتحقق مهما طال الزمن وهو حلم محاكمة حسنى مبارك ونظامه.
 لقد غفل الثوار عن حقيقة أن العسكر لن يغيروا من عقيدتهم من أجلهم، ولن يغيروا من ثقافتهم العسكرية التي تربوا وعاشوا عليها، والدليل على ذلك الأمن والآمان الذي يعيش فيه حسنى مبارك منذ تسعة أشهر، والرعاية الصحية الكاملة والخدمة الفندقية التي يلقاها من فريق على أعلى مستوى من الأطباء ، ومن فريق سكرتاريته الكامل الذي يعيش معه في المجمع الطبي العالمي فضلا عن فرقة الحرس الجمهوري التي تحرسه، إذن هو رهن الإقامة الجبرية ، وليس رهن الاتهام أو المحاكمة، تلك المحاكمة التي اخترعها العسكر لامتصاص الغضب الشعبي ضدهم ودعما لموقفهم كحماة للثورة ، وهي الأكذوبة التي أطلقوها وصدقوها وجعلونا نصدقها معهم ، ولم يفهم العسكر أن موازين اللعبة بدأت في التغير وإن عليهم تعلم الأصول الجيدة للعبة، وهذا ما دفعهم وهم أصحاب النفوذ إلى إعادة الموازين إلى نصابها الصحيح من وجهة نظرهم ، بل أزداد الأمر سوءا بعدما ظهرت نواياهم وعملوا على ازدراء الشعب وإيذاءه فقضوا على السياحة في شرم الشيخ وبالتالي على مقدرات العاملين فيها بعد موافقتهم على تحديد إقامة رئيسهم المخلوع فيها ، وأطلقوا أيدي البلطجية ليعيثوا الفساد، ومن المفارقات العجيبة إعلانهم محاكمة المدنيين الشرفاء البسطاء وشباب الثورة في المحاكم العسكرية بينما يحاكمون أزلام النظام من اللصوص والحرامية ومن الذين تحكموا في أرزاقنا وأعناقنا لسنين طويلة في محاكم مدنية وكأنهم يؤدبوننا على الثورة وعلى السعي لاسترداد كرامتنا وحقوقنا المسلوبة، ولا أحد في مصر المحروسة كلها يعرفُ على وجه التحديد ماذا يريدون؟ وما هي نواياهم رغم البيانات شبه اليومية التي تصدر عنهم، ورغم وعودهم بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، ولكن الوعود شيء والأفعال شيء أخر ، فهل سيتخلى العسكر في المحروسة عن عقيدته العسكرية ، وهل سيسلمون السلطة بالفعل ليقفوا بعد ذلك أمام رئيس مدني يوأدوا له التحية العسكرية على اعتبار القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهل سيتنازل العسكر عن كبريائهم وعن صلفهم وربما غرورهم من أجل مصر الحديثة ؟ من أجل مصر الثورة والشباب والدماء الجديدة التي ربما تكون أطهر وأنظف وأكثر وطنية من دماء من حكمونا في السابق ؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة المقبلة .
 هشام زكي