fiogf49gjkf0d
العشوائيات (1)... القنبلة التي انفجرت!!
من يعمل في مجال التنمية ويدخل الي قري الريف والعشوائيات والحواري والازقة كان يعلم يقينا بأن هذا اليوم سيأتي لتنفجر هذه العشوائيات كالقنبلة لتقتل وتصيب من تجده في طريقها. لقد كانت ولا زالت حكاية العشوائيات أمرا يشعر أي إنسان مصري غيور بالخزي والعار لعدم تمكن الدولة علي مدي ثلاثين عاما من احتوائها رغم ما تم صرفه عليها من مليارات خصوصا في العشر سنوات الاخيرة ولكنها كانت حلول رومانسية إسمها تطوير العشوائيات ولم تقتلع المشكلة من جذورها... فشلت جميعها شكلا وموضوعا وما يحزنني هو ما قرأته عن أن هناك إتجاها لدي الدولة الأن لتطوير العشوائيات... بمعني أخر أننا لم نتعلم الدرس للأن.
العشوائيات هي التي أفرزت جيلا كاملا من البلطجية .. كل شيء متاح داخل العشوائيات.. وكل شيء حرام في كل الأديان السماوية وكل شيء غير قانوني... ناس تعيش في ظلام وعطش وجوع وزحام واستبداد.... سرقة وإتاوات ومخدرات وقلة أدب وبيع أعضاء وبيع ضمير...حرامية وأطفال شوارع وعلاقات محرمة... لا قانون ولا شيء سوي استخدام السلاح والضرب والاهانة وفرض السيطرة...الاجرام بكل صوره والارهاب بكافة أشكاله... جيل كامل لم يتعلم أو يتربي علي أي مباديء ...لو خرجوا من "العزبة" يرون صفوة الشعب تصرف ببذخ.. سيارات فارهة .. مصانع ومزارع وموبايلات وفيلات وتجارة بالبورصة وتجارة بثروات البلد بالمليارات... البيه ابن البيه راكب سيارة جيب تمنها نصف مليون والهانم تذهب للنادي تلعب تنس وتتغدي و"تفرتك" في اليوم الوحد الفين جنيه وأكثر... ولا أحد يشعر بالعشوائيات أو ما يدور فيها أو علي الأقل يتخيل مستقبلها وكل ما يفعلوه هو "شوية" تبرعات في المواسم الدينية مع شنط رمضان وملابس مستعملة ودبوب أطفال وكل عام وانتم بخير هذا ما كان أولاد الذوات يقدموه لأولاد العشوائيات... الأدهي من ذلك من إستغل رجال الاعمال وسيداتها ورجال الحزب حاجة اهل العشوائيات للمال في تجنيدهم لأعمال البلطجة والتنكيل بأعدائهم، وخرج منهم من يسعي لكسب قوته بالعمل كسائقي ميكروباصات فأشاعوا الفوضي وقلة الأدب في الشوارع وكل نواحي الحياة، وكباعة جائلين يفترشون كل سنتيمتر في الشارع يشوهون صورة مصر، وهجامين علي البيوت يسرقون الضعفاء... كل شيء أصبح بقلة الأدب والوقاحة والعنف.
كيف تعاملت الدولة مع مشكلة العشوائيات...صرفت المليارات في ادخال الكهرباء والماء ودهان المنازل وأرسلت لهم كساحات مجاري ولكن بقوا كما هم في "عششهم" تأتي لهم مياه ولكنها ملوثة وقذرة.. تأتي لهم الكهرباء ولكن لعدة ساعات في اليوم... تأتي اليهم الأطعمة علي سبيل "الحسنة"... يفتقدون للعلم لأنهم عاشوا في الشوارع ولا يعرفوا قيمته ولم يدخلوا مدارس.. يفتقدون لمهارات العمل الحقيقي لأنهم لم يتعلموا سوي مهارات الضرب والسرقة والتخفي والفر الا قليلا منهم من تعلم مهارات الأعمال الحرفية... وهكذا تخلت الدولة عن دورها في علاج سرطان العشوائيات وتركت الملايين ممن يعيشون في هذه المناطق تحت ضغوط الحياة التي أصبح الموت والجريمة هو المفر الوحيد لهم.... أعطت الدولة حقن المخدر كالعادة ليعود الالم أكبر مما كان عليه ولتزداد المشكلة تفاقما مع الوقت ومع سلبية الدولة بدأت مبادرات الغيورين علي وطنهم في محاولات يائسة لتحسين ظروف الحياة. أما المسئولين فقد ظلوا مستأنسين في القرية الذكية والجامعات الخاصة والجولف و"الهايتس" و"المارينا" و"بورتو" وظلت حكومة الدي إس إل واللابتوب تعيش في وهم معدل التنمية الزائف وتركت العشوائيات الي ان انفجرت مع ثورة 25 يناير.
مع ضعف الأمن خرج سكان العشوائيات ليعلنوا دولتهم ودستورهم وقوانينهم وفرضوا هيبتهم فوق هيبة الدولة مع الأسف، سرقوا الفقير والمريض وكبار السن وأهانوا كل محترم وذهبوا يتطاولون علي شرطة الدولة وجيشها وخرجوا ليرسوا مباديء الدولة الجديدة وهي أن كل واحد يستحل دم ومال وعرض الأخر وكل شخص عليه أن يأخذ حقه بذراعه وأن تخريب منشآت الدولة هو مفخرة للمخربين وأن سب وضرب ضابط هو عمل بطولي.. وكل منهم يجب أن يخرج مسلحا بمطواته وسنجته وماء النار وغيره... لا أحد منهم يخاف الله... الكل يمتليء جيبه بالحرام.. نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
إنفجرت قنبلة العشوائيات مع الثورة العظيمة فأفقدت الناس الشعور بالأمن والكرامة وقصار النظر يرددون بأن العهد السابق كان فيه أمن واستقرار وهو ما شبههه أحد الاعلاميين بأنه "إستقرار في القاع" وإن كانت مصر لا تزال تعاني من هذه الموجة الانفجارية وتحاول لملمة الجراح حاليا الا ان هذه القنبلة في النهاية ستكون حطاما وتنتهي أسطورتها الي الابد في عهد مصر الجديد وسوف تعلو كلمة القانون ويعود الامن وتنهض مصر بسواعد أبنائها المخلصين.