طيب!!!

فرحة العيد 

الاحساس بالعيد هذا العام كان مختلفا عنه طوال الثلاثة عقود الماضية،.. ربما لم ار السعادة على وجوه المصريين بهذه التعبيرات منذ العيد الذي اعقب حرب العاشر من رمضان عام 1973.
ألم تلاحظوا معي اختفاء ظاهرة التحرش الجماعي التي صدمنا بها الاعوام القليلة الماضية؟
وبالرغم من الحالة الاقتصادية.. والسياسية.. والامنية التي تمر بها المحروسة، خرج الناس في الشوارع وقد كادت تزول «مسحة  الكآبة» التي كانت تكسو الوجوه، وحل بدلا منها ابتسامة تفاؤل بغد افضل.. تشرق شمسه على مصر العزة والكرامة والسؤدد والمستقبل الواعد باذن الله.
من اسوان الى مطروح.. خرج الناس ليلة العيد بروح مختلفة.. ومشاعر اكثر بهجة.. كنت تلحظ طوال العقود الماضية ان غالبية المحتفين بمظاهر العيد التي تتميز بها مصر هم من الاطفال والشباب، بينما يكتفي الرجال والنساء وكبار السن بأداء صلاة العيد، والجلوس بالمنزل، فلم يكن هناك في الافق ما يفرح القلب، ويزيل الهموم المتراكمة، ويجلي المصائب المتراصة اكواماً بعضها فوق بعض على قلوب المصريين.
هذا العيد عادت معه بعض العادات الاصيلة التي كادت تختفي وتذوي بهجتها، وبدأت مع شهر رمضان المبارك، الذي انتشرت فيه ظاهرة جميلة، تمثلت في شباب رائع شاهدته بعيني في اغلب احياء القاهرة، مصر الجديدة، المعادي، السيدة زينب، قبل أذان المغرب بدقائق ينتشر بعرض الشوارع الرئيسية يمسك الشاب منهم بمجموعة من اكواب الماء المعبأ، والتمر المغلف، معرضا حياته لخطر عدم انتباه قادة السيارات المسرعة للحاق بالافطار، ويصر على ايقافك بابتسامة واسعة ليمد يده عبر نافذة السيارة حاملة اكواب المياه والتمر بعدد ركاب السيارة، ولا ينتظر منك شكرا، بل يركض الى سيارة اخرى.. ليلحق ركابها قبل ان يتجاوزوه.
وليلة العيد كان اهل اسوان ومرسى مطروح، وبعض الاحياء الشعبية في القاهرة والاسكندرية يخرجون من بيوتهم محملين بلعب الاطفال، باحثين عن طفل يمنحونه هداياهم.. ومعها دفقة شعور بالحب والسعادة والتراحم والترابط، كادت تختفي من قلوبنا، والحمد لله ان جذوتها عادت للاشتعال.
وبالرغم من سوء الاحوال الاقتصادية حرصت الاسر المصرية على العودة الى عادة تبادل «طبق» كحك العيد المصنوع منزليا فيما بينها، وتذكرت وأنا اشاهد ذلك طبق جدتي فاطمة، أو طبق «الحاجة فاطمة» كما كان جيراننا يسمونه والذي ينتقل بين الجيران في شارعنا القديم المطل على دار القضاء العالي في قلب وسط القاهرة، تفوح منه كل يوم رائحة طعام جديد يهدى لأحد الجيران، ولا يرد فارغا من جيراننا الذين كانوا يشكلون كوكتيلا جميلا من البشر، فالبلكونة الملاصقة يسكنها الخواجة انطونيو و«خالتي أم باولو»، العجوزان الايطاليان اللذان تركا نابولي ووقعا في عشق القاهرة وبجوارها اسرة الشامي، وعميدتها «خالتي أم ميمي» الشامي، البيضاء البدينة المبتسمة دائما، والقادمة من ريف دمشق، أما الشقة القابعة اسفل شقتنا فلأسرة دبلوماسي سوداني يعمل بالسفارة السودانية، منذ ان كانت «مصر والسودان هته واهده»، آه.. أين هذا الزمن الجميل عندما كان سكان البيوت المجاورة من المسيحيين لا يطبخون في نهار رمضان، ويؤجلون غداءهم الرئيسي الى وقت المغرب، وتهمس في أذني جارتي الطفلة رائعة الجمال «سيمون»: «ماما بتقول ان ريحة (التقلية) و(طشة السمن البلدي) عيب تطلع من مطبخنا وجيرانا صايمين»..
.. ادعوا معي ان يعود المصريون كما كانوا.. لتعود مصر.. كما كانت.. وحفظ الله مصر وشعبها من كل شر.
 
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
twitter@hossamfathy66